د.أسامة الغزالى حرب
فى أحد ايام خريف عام 1987 وفى أثناء عملى خبيرا فى مركز الدراسات السياسية والإسترتيجية بالأهرام، زارنى شاب وسيم نحيل، تخرج لتوه من كلية الإقتصاد و العلوم السياسية بجامعة القاهرة،
لا يخطئك ما تنبىء به نظراته و حديثه من ذكاء و طموح، وقال لى إن والديه يعيشان فى الكويت، وأنه بعد ان انهى دراسته الجامعية يريد أن يستكشف طريقه للمستقبل .بالطبع رحبت به ليعمل بالمركز، ونصحته بأن يبدا فورا فى الكتابة بمجلة " السياسة الدولية" وأن يتقدم فى نفس الوقت لامتحان القبول بالسلك الدبلوماسى بالخارجية، فمهاراته و لغاته تساعده على ذلك بسهولة. كانت تلك هى بداية تعرفى على الأديب و الدبلوماسى و الأستاذ الجامعى النابه "عز الدين شكرى فشير"! اقول هذه المقدمة الطويلة، وقد قرأت مقالا لعز الدين فى "المصرى اليوم"(24/8) بعنوان "المقال الأخير" يقول فيه أنه سوف يتوقف عن كتابة مقالته الاسبوعية بالجريدة "لأن الكتابة الصحفية ليست مهنتى، وإنما هى شباك أطل منه على المجال العام، من وقت لآخر". والواقع أنه أنبأ عن موقفه هذا منذ عدة أسابيع عندما كتب مقالا بعنوان :"هيستيريا"، كان واضحا منها أنها مقدمة للإنسحاب. إن عز الدين شكرى هو أحد الشخصيات المتميزة و اللامعة فى الحياة العامة المصرية، على نحو يثير الإعجاب ، ك"قدوة" جديرة بأن تكون حاضرة أمام الشباب المصرى الذى يفتقد اليوم النماذج التى يستلهمها ويتعلم منها. لقد إلتحق عزالدين بالخارجية المصرية ، وعمل فور تعيينه لبعض الوقت فى مكتب د. بطرس بطرس غالى ، وزير الدولة للشئون الخارجية فى ذلك الوقت، قبل ان ينتقل للعمل فى بعثات مصر بالخارج، ويحصل – فى أثناء عمله- على دبلومة المدرسة القومية للإدارة فى باريس، ثم ماجستير العلاقات الدولية من أوتاوا، ثم الدكتوراه من جامعة مونتريال، كما اعير أيضا للعمل فى الأمم المتحدة كمستشار سياسى لمبعوثيها فى القدس ثم السودان، قبل أن يترك الخارجية عام 2007. غير أن المثير هو أن " شكرى" لم يجد ذاته فى العمل الدبلوماسى الطويل الذى أتقنه، ولا فى التدريس الجامعى الذى أهلته له مؤهلاته العلمية، بقدر ما وجدها فى الكتابة الأدبية للرواية الطويلة فى "مقتل فخر الدين" ثم "أسفار الفراعين" ثم "غرفة العناية المركزة" ثم "أبو عمر المصرى" ثم "عناق عند جسر بروكلين" وأخيرا "باب الخروج". ولذلك، فإن انسحاب شكرى هذه الأيام ، واعتذاره عن الكتابة الصحفية، ليس ألا "ترحيلة" جديدة يبدع فيها رواية جديدة، فأهلا به ومرحبا.