د.أسامة الغزالي حرب
أنتمى إلى جيل تكونت مشاعره «العروبية» فى حقبة ازدهار الناصرية فى مصر والوطن العربى. وفى عام 1958 وعقب قيام الوحدة المصرية السورية بخمسة أشهر تقريبا، ولم يكن عمرى يزيد على أحد عشر عاما إلا قليلا، قامت الثورة فى العراق ضد الحكم الملكى هناك!
وأتذكر جيدا أنشودة أم كلثوم التى ظهرت بسرعة تحية للثورة هناك: «بغداد ياقلعة الأسود، يا كعبة المجد و الخلود، ياجبهة الشمس للوجود، سمعت فى فجرك ، توهج النار فى القيود.... «وعلمنا بعد ذلك أن جمال عبدالناصر نفسه كان هو الذى تابع تأليف وتلحين الأنشودة التى كتبها محمد حسن إسماعيل و لحنها رياض السنباطى!
غير أن مسارالثورة فى العراق كان مختلفا عنها فى مصر، وربما كانت أبرز مظاهر ذلك، هو العنف الشديد الذى واكبها فقتل الملك فيصل و رئيس الوزراء نورى السعيد، وغيرهما من القادة و السياسيين. ومسار التاريخ السياسى للعراق بعد ذلك معروف بدءا من عهد عبد السلام عارف وعبدالرحمن عارف وعبدالكريم قاسم، وصراعات القوى البعثية والشيوعية و الناصرية...لينتهى كل هذا إلى حكم صدام حسين بدءا من عام 1979 الذى تورط فى الحرب ضد إيران لثمانى سنوات، ثم تورط مرة ثانية فى غزو الكويت وإخراجه منها، وأخيرا الغزو الأمريكى للعراق فى 2003 بحجة امتلاكه أسلحة نووية مزعومة، لم تثبت قط! ولكن قبض على صدام حسين الذى حوكم و أعدم فى عام 2006 قبل أن يخرج الأمريكيون نهائيا فى عام 2011.
وفى هذا السياق المأساوى أججت الصراعات العرقية والمذهبية فى العراق، وصارت أرضه مرتعا لتدخلات إقليمية و دولية، ومسرحا لصور بشعة للعنف والإرهاب العرقى و المذهبى والطائفى. غير أن العراق ينفض الآن غبار تلك المحنة الطويلة، ويعود دولة فتية قادرة على تحقيق التوازن بين مكوناتها (العربية- الكردية)، و كذلك بين طوائفها و مذاهبها العديدة على نحو سلمى متحضر، يجعل من ذلك التعدد مصدرا للغنى والثراء و التفاعل الخلاق، وليس للخلاف و الشقاق. إن وحدة و استقرار العراق هى مصلحة مصرية مؤكدة، فمرحبا بالعراق، ومرحبا بلقاء يتجدد وطال شوقنا إليه، بين القاهرة وبغداد!