بقلم : د. أسامة الغزالى حرب
تعودت منذ الصغر على الاحتفال بشم النسيم ، خاصة أننى ولدت كما أكدت لى أمى رحمها الله فى يوم شم النسيم. كان هذا المولد ثم النشأة فى حى شبرا العريق بالقاهرة، قرب ضفاف النيل. فتعودت أن أصحو مبكرا لأشاهد من بلكونة المنزل، جماعات الشباب المتجهين للنهر العظيم صباح اثنين شم النسيم، و هم يرددون أغانيهم احتفاء به.
وعندما كبرت اهتممت بأن أدرس وأعرف هوية هذا «العيد» المدنى الوحيد الذى يجمع المصريين جميعا، مسلمين كانوا أم أقباطا، من سكان المدن أو الأرياف، أغنياء كانوا أم فقراء..ففهمت أنه أقدم أعيادنا وأن الاحتفال به و طقوسه الخاصة جدا تعود إلى آلاف السنين فى مصر الفرعونية. الاحتفال بشم النسيم عندى هو احتفاء بأحد الرموز الشعبية للأمة المصرية.
وعندما كبرت وصاهرت أسرة دمياطية اكتشفت أن معنى ومغزى شم النسيم يتبلور ويتجسد بأجلى صوره فى رأس البر، حيث يلتقى النيل والبحر، وحيث تتضافر أنشطة الزراعة مع الصناعة مع الصيد لتوفر البيئة الأمثل والأجمل للاحتفال وممارسة طقوس شم النسيم العريقة ، والتى تحمل كلها معانى ودلالات عميقة. فالبحر يوفر أفضل أنواع الأسماك للتمليح (الفسيخ، والسردين...) وأرض دمياط وحقولها الخصبة توفر البيض والبصل الأخضر و الخس والملانة (الحمص الأخضر) ومصانعها توفر أفضل أنواع الحلوى الدمياطية الشهيرة.والنزهة النهرية عند نيل رأس البر فى شم النسيم لها أيضا معناها ومذاقها الخاص ! وباختصار فإنه إذا كان لكل عيد مكانه الخاص الذى يرتبط به رمزيا...
فإن دمياط فى شمال مصر، ورأس البر بشكل خاص جدا هى المكان المميز لعيد شم النسيم. ثم إن شم النسيم الذى يأتينا فى قلب الربيع يمثل- كما سبق أن قلت- نقطة زمن عبقرية يختلف ما بعدها عما قبلها، نودع فيها الشتاء لنستقبل بعدها الصيف، و أنه- مثل النيل و الأهرامات علامة مصرية مسجلة ! كل عام وأنتم بكل خير !