بقلم : د. أسامة الغزالى حرب
يوم الأحد قبل الماضى (10 مارس) أعلنت مفوضية الانتخاب الهندية جدول الانتخابات النيابية القادمة لاختيار 543 نائبا فى البرلمان الهندى (لوك سابها) فى دورته السابعة عشرة، والتى يشارك فيها ما يقرب من 900 مليون ناخب، وتمتد من 11 أبريل إلى 19 مايو على سبع مراحل!.
إن الهند بتعدادها الذى بلغ فى العام الماضى 1353 مليون نسمة تقريبا تعد الديمقراطية الأكبر فى العالم، وقد زرتها أكثر من مرة طوال حياتى الوظيفية بالأهرام، ورأيت فيها مظاهر للتناقض الكبير بين ثراء فاحش وفقر مدقع، بين تقدم علمى وتكنولوجى هائل ينافس الولايات المتحدة وأوروبا، وانتشار لأفكار تقليدية شديدة التخلف.
الهند قارة بذاتها وعالم ثقافى شديد التميز والتعدد العرقى والدينى والطائفى واللغوى. ولكن على النقيض الكامل لمظاهر الفقر والتخلف، حققت الهند نجاحات مبهرة فى المجالات العلمية والتكنولوجية والصناعية. وقد بدا ذلك أخيرا فى برامج الهند الفضائية ونجاح وكالة الفضاء الهندية فى سبتمبر عام 2014 فى وضع مركبة فضائية بمدار المريخ لتكون الهند بذلك رابع دولة تنجح فى تحقيق تلك المهمة بعشر التكلفة التى تحملتها وكالة الفضاء الأمريكية ناسا.
ولا يخالجنى أدنى شك فى أن ما حافظ على الدولة الهندية بكل هذا التنوع والتعدد منذ استقلالها عام 1947 وما ساعدها على التغلب على مشكلاتها الكثيرة والمعقدة، هو الالتزام الصارم الذى أبدته النخبة الهندية بالديمقراطية سواء على مستوى الولايات والأقاليم، أو على المستوى القومى. الديمقراطية كانت هى اللحمة التى ربطت بين كل مكونات الهند الإقليمية والدينية والطائفية وصهرتها كقوة عالمية لها مكانتها المرموقة، وهى التى أتاحت المناخ المستقر والهادئ للنمو الاقتصادى والعلمى والتكنولوجى، وللتوافق والتعايش السلمى بين الطبقات شديدة التباين هناك.