بقلم - د.أسامة الغزالى حرب
لا أنوي هنا علي الإطلاق أن أتحدث في قضية نظرية عن مفهوم التقدم كنقيض للتخلف، ولكنني أريد أن أشرك معي القارئ في خواطر وردت إلي ذهني في مساء اليوم الأخير من السنة السابقة، أي ليلة رأس السنة! لقد كنت مضطرا أن أسير في شارع التسعين، وهو الطريق الرئيس في منطقة التجمع الخامس، والذي يمتد لكيلومترات كثيرة. الشارع عريض للغاية، توجد علي أحد جانبيه مبان سكنية وعلي الجانب الآخر توجد مبان لمنشآت أعمال عامة وخاصة. الجانب الأول يشمل فيلات فاخرة و«قصورا»...أما الجانب الآخر فتوجد فروع لأهم البنوك المصرية والأجنبية والشركات الكبري والمستشفيات الخاصة، ناهيك عن عدد كبير من المدارس ذات المصاريف الفلكية – وتلك حكاية تستلزم الكثير من الاهتمام الخاص.ولكن مع هذه الأبهة الهائلة والفارهة فإن الشارع ليس له رصيف..؟ لأن الأرصفة استولي عليها أصحاب الفيللات والقصور وزرعوها! فإذا أردت أن تسير علي أقدامك في الشارع فعليك أن تسير تحف بك السيارات بسرعتها الجنونية.
غير أن المشكلة تصبح مضاعفة إذا أردت – والعياذ بالله – أن تعبر الطريق علي أقدامك! فهذا الطريق الطويل جدا، والفاخر جدا، والواسع جدا، لا توجد به إلا إشارتا مرور أو ثلاث، غالبا لا تعمل، وغالبا جدا لا تحترم. في هذا الوضع تصبح محاولة عبور الطريق مغامرة محفوفة بمخاطر جسيمة. لماذا مثلا لا تحفر أنفاق عبر الشارع وقد أصبحت لدينا والحمد لله خبرة كبيرة ومعدات لهذا الشأن؟ لقد قارنت بين استحالة وخطورة عبور شارع التسعين وبين سهولة وحسن تنظيم السير والعبور التي رأيتها في مدن العالم الكبري لأخلص للأسف إلي أن الفارق هو ببساطة احترام الانسان الفرد وتقدير آدميته، فلا يضطر لأن يجري مثل الفأر المذعور بعرض الشارع من الرصيف للرصيف. التقدم هو احترام آدمية الإنسان، وليس علي الإطلاق مجرد تشييد طرق واسعة ومبان هائلة فارهة.