د.أسامة الغزالى حرب
بناء على مادرجت عليه من تخصيص «كلمات حرة» صباح كل إثنين للحديث عن «الكتب»، وبمناسبة المناخ الحار الاستثنائى الذى تشهده مصر هذه الأيام، أحب ان اشير هنا إلى ثلاثة مفكرين كبار كانت لهم كتاباتهم التى تمثل علامات مهمة فى رصد العلاقة بين المناخ والحضارة.فلا شك ان من بين ما خطر على بالنا جميعا بمناسبة تلك الموجة المناخية، هو تأثير الحر الشديد على قدرة الإنسان على العمل والإنجاز، وهو مايستدعى إلى أذهاننا نظريات العلماء و الفلاسفة الذين رأوا ان الحضارة والإبداع الحضارى لا يمكن ان يتما إلا فى مناخ بارد أو معتدل وفى مقدمتهم المفكران الفرنسيان مونتسكيو وجان بودان.
ولكنى أركز هنا على ثلاثة اسماء مهمة، ذات اتجاهات متباينة، تناولت فى كتاباتها العلاقة بين المناخ والحضارة، الأول هو عالم الاجتماع الفرنسى «موريس دوفرجيه» فى كتابه «مدخل إلى علم السياسة» الذى قال إنه ليس مصادفة أن البلاد ذات المناخ البارد والمعتدل والتى تشمل اوروبا وشمال آسيا و امريكا الشمالية هى الاكثر تقدما، وأن البلاد ذات المناخ الحار التى تشمل الجزيرة العربية وجنوب إيران وكذلك جنوب الهند والصين وجنوب مصر وليبيا والجزائر وسائر افريقيا...إلخ كانت هى الأقرب للتخلف، وان اقصى صور التخلف موجودة فى المناطق الإستوائية.أما الإسم الثانى فهو الفيلسوف البريطانى العملاق «أرنولد توينبى» الذى وضع افكاره فى كتابه الاشهر «دراسة للتاريخ» والذى فسر فيه التطور التاريخى بنظريته الشهيرة عن «التحدى والاستجابة»، ففى مقدمة التحديات التى رصدها كان بالطبع تحدى المناخ القاسى، والذى تمثل فى شح المطر، والتصحر...إلخ من عوامل مشابهة دفعت المجتمعات الأولى للهجرة والإبداع الحضارى بأشكال مختلفة. يتبقى الاسم الثالث الجدير بالذكر هنا وهو العالم الأمريكى البريطانى الاصل أستاذ الانثروبولوجى حاليا فى جامعة كاليفورنيا براين فاجان مؤلف كتاب «الصيف الطويل: دور المناخ فى تغيير الحضارة» وهو الكتاب الذى صدر عام 2004 وترجمه د. مصطفى فهمى إلى العربية ضمن سلسلة عالم المعرفة (رقم 2007)، والذى رصد فيه فاجان ارتفاع حرارة الكرة الأرضية على مدى الالف وخمسمائة عام الماضية، و كيف اثر ذلك على ظهور الحضارات المختلفة، و بالمناسبة، فإن فاجان ايضا من دارسى الحضارة المصرية القديمة، و كتب اكثر من كتاب عنها، وقدم لأحد تلك الكتب «مصر الفرعونية» عالم المصريات البارز زاهى حواس.