د.أسامة الغزالي حرب
فى لقاء أجراه الرئيس عبدالفتاح السيسى مع المثقفين و الكتاب عقب انتخابه، طلب من المشاركين أن يتحدثوا وفقما يريدون بلا أية تحفظات، وأذكر أننى تحدثت عن التعليم وعن اللامركزية وعن الشباب،
وفى حديثى عن اللامركزية طالبت بإجراء تعديل جذرى فى نظام الحكم المحلى ليكون أقرب إلى النموذج الألمانى الذى تتمتع فيه الولايات الألمانية بسلطات واسعة فى إطار الدولة القومية الألمانية...إلخ وهنا صدر صوت من بعيد محتجا بشدة على هذا الحديث والتفتت فوجدته الأديب الراحل جمال الغيطانى وهو يقول لى :بإنت كده هاتقسم البلد...هذا خطر على الدولةب!. والحقيقة أن هذه الملحوظة كشفت لى جوهر ما يمكن أن أسميه االفكر السياسى للغيطاني«، ففى حين أنه فى أبرز أعماله (الزينى بركات) يتناول بعمق ظاهرة الاستبداد السياسى فى التاريخ المصري، وما يقترن به من قمع و خوف وممارسة لأقسى اشكال العنف والتعذيب، وأيضا بالرغم من أنه عانى شخصيا من هذا القمع فى سن مبكرة فى الستينات حين سجن فى سجن القلعة وهو فى الحادى والعشرين من عمره، إلا أن ذلك لم ينل أبدا من إيمانه العميق بالدولة وقيمتها وأهمية الحفاظ عليها، وهوما حققه ومارسه من خلال انخراطه مجندا فى القوات المسلحة ومشاركته فى حرب أكتوبر. إنه ، فى عبارة موجزة، يجمع بين الإيمان بالدولة وبقوتها والحفاظ على تماسكها، وبين إدانة القهر والاستبداد وامتهان كرامة الإنسان، وهى مسألة يسهل أن ننادى بها كشعارات ومثل عليا ولكن تحقيقها على أرض الواقع ليس دائما سهلا، وبعبارة أخرى فإن الوصول إلى الدولة الديمقراطية والقوية فى نفس الوقت مسألة تستغرق وقتا أكبر مما نتصور. رحم الله أديب مصر العظيم جمال الغيطانى.