لم أعرف ملكا أو رئيسا عربيا كان مزهوا بنفسه كما كان صدام حسين. وربما كان وصوله إلى الحكم، وهو آخر واحد يمكن تصور أنه سيصبح الرئيس، قد أقنعه بأن العناية الإلهية قد اختارته ليصبح زعيم الأمة العربية.
مقالات متعلقة
الحرب التي غيرت التاريخ (4).. اتفاق دولي بالإجماع ضد صدام
العراق يحاول رشوة مصر بفلوس الكويت! الحرب التي غيرت تاريخ العرب والعالم (3)
وُلد صدام يتيما، فقد مات أبوه الذى كان رجلا فقيرا ويعمل حارسا قبل ولادة صدام بستة أشهر. وبعد مولده تزوجت أمه رجلا يعمل بوابا لإحدى مدارس تكريت. وقد عامل صدام بقسوة وحرمه من المدرسة وأرغمه على العمل فى رعى الغنم. وفى قرية «العوجة» عاش صدام فى غرفة محرومة من الماء والكهرباء ما جعله يقول لكاتب سيرته: «لم أشعر أبدا بأننى طفل».
فى سن الحادية عشرة عام 1947 انتقل صدام للعيش مع خاله خير الله طلفاح، الذى كان ضابطا بالجيش، لكنه كان متحمسا فى الحرب العالمية الثانية للنازيين، فتم طرده وسجنه خمس سنوات. إلا أنه نتيجة انتقال صدام للعيش مع خاله، رغم طرده، فقد تعلم صدام الكثير من رفاق خاله العسكريين، ثم اندمج فى العمل السياسى، حيث التحق بحزب البعث كمعارض داخل الحزب. وأدى ذلك إلى اهتمام صدام بتعويض ما فاته فأكمل فى سن الـ18 الدراسة الابتدائية، وكان يزامل أطفالا فى سن الخامسة، ما أدى إلى تعرضه لعبارات سخرية قاسية تركت جروحا عميقة فى نفسه.
وفى وقت من الأوقات عمل صدام «كمساريا»، وعقب الانقلاب الدموى الذى قام به عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف، فى 14 يوليو 1958، زاد اندماج صدام فى العمل السياسى حتى وجد نفسه يشارك مجموعة من البعثيين فى محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم، لكنهم فشلوا، واضطر للهرب إلى سوريا، ومنها إلى القاهرة فى فبراير 1960، حيث سكن مع عدد من رفاقه فى منطقة الدقى، والتحق بالصف الخامس الإعدادى فى مدرسة قصر النيل.
ولمع اسم صدام عندما جرت محاكمته فى بغداد غيابيا وحُكم بإعدامه عام 60 مع المجموعة التى اشتركت فى محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم.
وفى سنة 1961 انتسب صدام لكلية حقوق القاهرة بعد أن حصل على الثانوية العامة، ثم ابتسم الحظ له عندما قام أحمد حسن البكر بانقلاب أعدم فيه عدوه عبدالكريم قاسم، فعاد صدام إلى بغداد عارضا نفسه على البكر الذى سانده وأصبح يُشاهد دوما إلى جانبه مسلحا بمسدسه. وتغير الموقف بالنسبة لصدام، فقد نجح عبدالسلام عارف فى الإطاحة بالبكر، وتم سجن صدام الذى أصبح من نجوم السياسة. وتقديرا من حزبه تم انتخابه وهو فى السجن أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث.
وتمكن صدام من الهرب من السجن والاشتراك فى انقلاب ضد عبدالسلام عارف جاء بأحمد حسن البكر رئيسا. وفى هذه المرة أصبح صدام الأقرب من البكر، وقد راح يجمع السلطة فى يده حتى تولى منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة فى سبتمبر 1968، إلى أن تمكن فى يوليو 1979 من الاستيلاء على السلطة بعد أن فرض على البكر الاستقالة لأسباب صحية.
وخلال ذلك تدخلت الجزائر لتسوية نزاع بين العراق وإيران حول شط العرب، وتم توقيع اتفاقية بذلك فى الجزائر عام 1975 قضت بامتناع إيران عن مساعدة أكراد العراق، وقيام العراق بطرد «آية الله الخمينى»، الزعيم الإيرانى الذى كان يقيم فى النجف. وقد حاول الخمينى استجداء صدام حسين، الذى أصبح يسيطر على السلطة، للبقاء فى النجف بالعراق، ولكن صدام أصر على طرده، فذهب إلى باريس.
وعندما نجحت ثورة الخمينى عام 1979 توقع صدام أن ينتقم الخمينى منه، فدبر الحرب التى بدأها ضد إيران فى 22 سبتمبر 1980، واستمرت ثمانى سنوات حتى 8 أغسطس 1988، وكانت الحرب التى قال عنها هنرى كيسنجر: إنها أول حرب فى التاريخ نتمنى ألا يخرج منها منتصر، وإنما أن يخرج كلا طرفيها مهزومين وهو ما حدث!.
وبعد سنتين اثنتين أراد صدام تعويض ما فقده فى إيران، فقام بغزو الكويت التى قدمت له خمسة مليارات دولار مساعدات أثناء حربه مع إيران.