بقلم د. وحيد عبدالمجيد
التشهير بأى إنسان جريمة لا تسقط بالتقادم فى دولة القانون. أما التشهير الذى ينطوى على انتهاك الخصوصية فهو أكثر من جريمة فى هذا النوع من الدول.
ولا يكفى وجود القانون فى أي دولة لكى تكون دولة قانون. فما من دولة فى العالم إلا وفيها قوانين. ولكنها ليست كلها دول قانون. فعدالة القانون واحترامه والمساواة التامة أمامه هو ما يميز دولة القانون.
ولكن دولة القانون لا تستمد قيمتها من معاقبة كل من ينتهك القانون دون تمييز. فمن شأن رسوخ الاحترام للقانون أن يخلق حالة مجتمعية تجعل بعض الجرائم مخجلة لمن يرتكبها. خذ مثلاً نظرة المجتمع إلى المتهرب من الضرائب فى دولة القانون، بل نظرة من يرتكب هذه الجريمة إلى نفسه. ولعل الشعور بالخجل من ارتكاب جرائم من هذا النوع هو الذى أدى إلى ندرتها فى دولة القانون. وينطبق ذلك على بعض الجرائم الإعلامية التى يُطلق عليها «جرائم تُرتكب بواسطة العلانية»، خاصة التشهير بأى إنسان أو اقتحام حياته الخاصة. فلهذه الحياة حرمتها المحمية تماماً فى دولة القانون.
ويحرص الإعلاميون الذين يحترمون مهنتهم، وليس فقط القانون، على عدم الخلط بين العام والخاص تحت أى ظرف، ويبادرون بالاعتذار إذا فعلوا بسبب شعورهم بالخجل. ويكون هذا الاعتذار محموداً حين يحدث.
كما تحرص وسائل الإعلام المحترمة على الاعتذار بدورها، كما فعلت هيئة تحرير صحيفة «واشنطن بوست» قبل أيام عندما اعتذرت عن رسم كاريكاتورى للرسامة العبقرية الحاصلة على جائزة «بوليتزر» آن تيلينس. فقد صور هذا الرسم المرشح الجمهورى المحتمل تيد كروز وهو يجر ابنتيه اللتين ظهرتا فى صورة بقرتين. ورغم أن كروز هو الذى أخطأ أولا عندما استغل فتاتين صغيرتين فى حملته الانتخابية للتأثير فى مشاعر الناخبين واستدرار تعاطفهم، فهذا لا يبرز السخرية منهما حتى فى سياق نقد لاذع لسلوكه هذا.
ولم تكتف الصحفية بسحب هذا الرسم من موقعها الالكتروني، بل قدمت اعتذاراً جاء فيه: (تتضمن سياستنا التحريرية بوجه عام عدم التعرض للأبناء. ولا تعرف لماذا استثنت آن تيلينس هذه الحالة. لكننا لا نقبل ذلك فى كل الظروف). وهذه هى الطريقة التى يتصرف بها المسئولون فى وسائل الإعلام، إذ يسرعون إلى معالجة أى انتهاك للخصوصية مهما كان صغيراً على هذا النحو، لأنه أصبح مُخجلاً لمن يرتكبه قبل أن يكون مداناً بحكم القانون.