د. وحيد عبدالمجيد
يثير الاندفاع الأمريكى الغربى باتجاه تصعيد الصراع ضد روسيا أسئلة ملحة عن مستقبل النظام العالمى فى السنوات المقبلة، خاصة بعد أن تجاوز هذا الصراع النطاق السياسى العام ودخل فى قلب العلاقات الاقتصادية. وإذا كان قرار قمة الحلف الأطلسى الأخيرة فى ويلز(4 و5 سبتمبر الماضى) بإنشاء قوة للتدخل السريع تتمركز فى شرق أوروبا بالقرب من حدود روسيا يمثل تحولاً مهماً على صعيد الصراع الاستراتيجى، فالحرب الاقتصادية المتصاعدة ضد موسكو تعتبر تحولاً أكبر وأخطر.
فاستمرار هذه الحرب قد يُسدل الستار على الركيزة الأساسية للنظام العالمى فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة وهى العولمة القائمة على تنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية وتحريرها وتدعيم الاعتماد المتبادل0
ويعنى ذلك نهاية أكثر النظريات الاقتصادية الاستراتيجية طرافة فى إطار ما استجد فى عصر العولمة، وهى ما يُطلق عليه «نظرية ماكدونالدز».
وتقوم هذه النظرية على أن الدول التى توجد فيها فروع أكثر لسلسلة مطاعم ماكدونالدز المشهورة للوجبات السريعة ستكون قادرة على تنمية علاقاتها وتدعيم الاعتماد المتبادل بينها وتجنب أى صراعات سياسية أو استراتيجية.
فقد اتُخذت سلسلة ماكدونالدز للدلالة على حالة العولمة وتجسيدها وتقريبها إلى الأذهان من زاوية طابعها العابر للدول والجنسيات وانتشارها المتزايد حيث تضاعف عدد الدول التى دخلتها فى عقد واحد (العقد الأخير فى القرن الماضى) واكتسابها طابعاً عالمياً، فضلاً عن طريقة عملها التى تمثل نموذجاً لـ «البزنس» فى عصر العولمة.
ورغم أن «نظرية ماكدونالدز» بهذا المعنى لم تدخل فى قلب العلم الاقتصادى، فإنها أثارت جدلاً واسعاً فى أوساط بعضها أكاديمى عندما اعتمدت مجلة «الأيكونومست» عام 2004 على سعر «ساندوتش بيج ماك» فى تحديد القوة الشرائية الفعلية للعملات المختلفة مقارنة بالدولار، بغض النظر عن الأسعار الرسمية لهذه العملات.
ويبدو الآن أن هذه النظرية ستكون فى مقدمة ضحايا الحرب الاقتصادية الغربية المتصاعدة ضد روسيا. فقد ملأت فروع ماكدونالدز موسكو والكثير من المدن الروسية، دون أن يكون هذا دليلاً على علاقات اقتصادية وتجارية قادرة على الصمود فى ظل أى صراع سياسى، بخلاف الأساس الذى قامت عليه العولمة.