د. وحيد عبدالمجيد
كثيرة هى الأحزاب التى تصف نفسها بأنها ليبرالية، ويتعامل معها البعض على هذا الأساس دون بحث أو تدقيق. ولا يُثار السؤال عن معنى ليبرالية هذه الأحزاب إلا لماماً، خاصة حين يلاحظ البعض صمتها المطبق تجاه القضايا التى تدخل فى إطار التنوير الثقافى والدينى والمجتمعى.
وقد أُثير هذا السؤال بالفعل بمناسبة غياب هذه الأحزاب الموصوفة بأنها ليبرالية فى قضية الباحث والإعلامى إسلام بحيرى المتهم بازدراء الإسلام لمجرد أنه سعى إلى نقد جانب من الخطاب الإسلامى الذى يُعد عملاً بشرياً يحتاج الى مراجعة وتطوير طول الوقت! وقال أحد من أثاروا هذا السؤال، وسعوا إلى الإجابة عنه، أن (الأحزاب الليبرالية مش بتاعة قضايا تنوير وكلام فارغ مثل هذا). ورأى أن هذه الأحزاب تفتقد الحس الثقافى والتنويرى من الأساس. ولكن المثير للدهشة أن يصل أحدنا إلى مثل هذا الاستنتاج، ويواصل النظر إلى هذه الأحزاب بوصفها ليبرالية حقاً، رغم أن القضايا التى يقول إنها «كلام فارغ» هى الأساس الذى تقوم عليه النزعة الليبرالية. فالإيمان بالتنوير، وبناء البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفقاً له، هو ما يميز الأحزاب الليبرالية عن غيرها.
وليس ممكناً بالتالى أن يكون الحزب ليبرالياً، ويغفل أهمية التنوير الذى يقوم على إعلاء قيمة العقل وتحريره من القيود بشتى أنواعها، وبالتالى تحرير الإنسان بوصفه كائناً عاقلاً من القهر والاستبداد والظلم والطغيان، وفتح آفاق الحرية أمامه لكى يعمل ويُبدع ويُنتج ويغير وجه الحياة على الأرض. فالتنوير ينطوى على كل ما ينشر نور المعرفة فى المجتمع ويُمكَّن الإنسان من حياة كريمة ويوفر له فرص تحقيق ذاته، فيكون هذا المجتمع مُنيراً تتفتح فيه الزهور بمختلف ألوانها وأنواعها وأشكالها.
وإذا كان الأمر كذلك، فكيف نصنف الأحزاب المصرية الحالية التى تسمى ليبرالية حيناً ومدنية حيناً آخر؟ ربما يكون الوصف الأكثر ملاءمة لهذه الأحزاب، وإن لم يكن دقيقاً تماماً بالمعنى الفكرى، أنها أحزاب محافظة يضم بعضها عدداً من الشخصيات الليبرالية أو التى لها علاقة بالليبرالية بدرجات مختلفة. ويشعر بعض هؤلاء بالاغتراب فى هذه الأحزاب، بينما يتكيف آخرون مع الأوضاع فيها ويحتفظون بليبراليتهم لأنفسهم وقد ينسونها مع الزمن. فلم يصل التطور الحزبى فى مصر إلى المستوى الذى يتيح وجود أحزاب ليبرالية حقا.