بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يمر هذا الشهر 145 عاماً على تأسيس أول مدرسة للبنات فى مصر. وهذا حدث، لو تعلمون، تاريخى بكل معنى الكلمة. يعود الفضل فى تأسيس هذه المدرسة إلى إحدى أميرات أسرة محمد على، وهى الأميرة جشم آفت هانم زوجة الخديو إسماعيل.
تقدمت الأميرة جشم لإنقاذ مشروع بدأه إسماعيل لإنشاء مدرسة للبنات. كان المشروع قد توقف، فاشترت قصراً فى السيوفية، وتبرعت لتجهيزه ليكون مقراً لمدرسة تسع ثلاثمائة تلميذة. وتم افتتاح هذه المدرسة فى أغسطس 1783 وفق رواية عبد الرحمن الرافعى أهم مؤرخى تلك المرحلة. وتصادف افتتاحها بعد عام على إصدار كتاب رفاعة الطهطاوى الذى صار مشهوراً بعد ذلك (المرشد الأمين فى تعليم البنات والبنين).
كانت تلك المدرسة هى الأولى لتعليم البنات تعليماً عاماً، إذ لم يسبقها إلا مدرسة المولدات والحكيمات التى افتُتحت عام 1932، ومدرسة أقامتها جمعية إنجليزية عام 1835، وكان معظم طالباتها من غير المصريين. ولم تكتف الأميرة جشم بإنشاء المدرسة، بل سعت لإقناع عدد كبير من الآباء بالموافقة على إرسال بناتهن إليها.
تغير اسم المدرسة بعد ذلك فصار «المدرسة السنية»، ونُقل مقرها إلى شارع المبتديان، ومنه إلى شارع الكومى قرب مسجد السيدة زينب. وأسهم وجودها، عندما اندلعت ثورة 1919، فى خروج المرأة إلى المجال العام. شاركت طالباتها فى هذه الثورة بجوار طلاب كثيرين من المدارس المصرية فى ذلك الوقت. كما تعلمت فيها رائدات مصريات فى مجالات عدة كان أولهن ملك حفنى ناصف، ونبوية موسى.
ويجدر بنا التنويه، بهذه المناسبة، إلى أن الكثير مما جاء عن الأميرة جشم فى مسلسل سرايا عابدين الذى عُرض عام 2015 كان من وحى خيال مؤلفته التى تأثرت بالنمط السائد فى المسلسلات التاريخية التركية، رغم الاختلاف الكبير بين سرايات أسرة محمد على، وقصور حكام الدولة العثمانية. وإذ نذكر للأميرة جشم فضلها فى إنشاء أول مدرسة للبنات، يقتضى الإنصاف أيضاً أن نسجل لغير قليل من أمراء أسرة محمد على وأميراتها أن اسهاماتهم فى بناء مصر كانت مرتبطة بشعورهم بالانتماء إليها كوطن، مجرد وليس مجرد بلد حكموه، بخلاف الصورة التى رُسمت لهم فى كثير من الكتابات التاريخية.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
المصدر: الأهرام