بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
ردة خطيرة فى العالم الآن عن النزعة الإنسانية التى بدأت فى التبلور عبر أفكار التنوير منذ القرن الثامن عشر، وحققت تقدماً لا بأس به فى النصف الثانى من القرن العشرين. ردة تظهر ملامحها فى مواقف وممارسات تدل على لامبالاة متزايدة بعذابات البشر، ويُخشى أن تؤدى إلى قطيعة مع عصر تنامى خلاله وعى الإنسان تدرجيا بإنسانيته.
وفى مجرى تلك العملية التاريخية، أخذ التعاطف يزداد مع الضعفاء والمظلومين بأشكال ودرجات مختلفة بغض النظر عن أصولهم وعقائدهم وانتماءاتهم. لم تبلغ النزعة الإنسانية فى أى وقت المستوى الذى يسمح بإنقاذ ضحايا التوحش فى حروب وصراعات وأعمال عنف مجتمعية ورسمية، ولكنها لم تضعف إلى هذا الحد الذى يظهر فى اللامبالاة الراهنة بعشرات الملايين الذين يفرون من بلادهم خوفاً على حياتهم. قصص أقل ما توصف به أنها مرعبة يرويها كل يوم مسئولون فى هيئات ومنظمات دولية تعنى بشئون اللاجئين أو الهجرة أو الإغاثة والإنقاذ، ومشاهد مؤلمة مبكية تعج بها فيديوهات طول الوقت فى الفضاء التليفزيونى والإلكترونى. غير أن العالم تعود على صور الضحايا وأصوات من يروون عذاباتهم، وصار متبلداً فى الأغلب الأعم تجاه ما يشاهده ويسمعه. ومع ذلك، مازالت هناك بقايا مشاعر إنسانية هنا وهناك تُبقى أملاً فى استعادة النزعة الإنسانية، أو حتى وقف تراجعها. وربما لهذا السبب اختارت جريدة «نيويورك تايمز» رواية عن عذابات المهاجرين ضمن قائمة أفضل عشرة كتب لعام 2017، وهى رواية الخروج غرباً، أو الخروج من الغرب Exit West للكاتب الباكستانى محسن حامد، والتى سبق اختيارها ضمن القائمة القصيرة لجائزة زمان بوكرس العالمية للعام نفسه. لم أتمكن من الحصول على الرواية بعد، ولكننى قرأت ثلاثة عروض نقدية لها اتفق كاتبوها على أن مؤلفها برع فى تصوير آلام المضطرين إلى الفرار من بلادهم عبر بناء درامى يقوم على قصة حب تجمع سعيد وناديا دون أن يحدد أى بلد منكوب هذا الذى فرا منه، لكى يمنحه طابعاً رمزياً لكل البلدان الطاردة لأهلها، وحتى يكون بطلً روايته ممثلون لملايين من أبناء الطبقة الوسطى الذين يضطرون إلى الهجرة بحثاً عن ملجأ يحفظ حياتهم المهددة فى هذه البلدان.