بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
أصبح الانتقام هدفاً أساسياً لكثير من سكان منطقتنا. لا يفكر بعضهم فى غيره. وليست المعارك الداخلية، والحروب الإقليمية بالوكالة، إلا إحدى نتائج الرغبة المحمومة والمتزايدة فى الانتقام.
عطش هائل للثأر لا ترويه إلا الدماء التى تجلب المزيد منه فى دائرة مفرغة0انتقام الكل من الكل هو شعار المرحلة الراهنة التى تُعد الأسوأ فى تاريخ منطقتنا منذ قرنين على الأقل. استعداد للتضحية بأى غال أو نفيس فى سبيل إشباع الرغبة فى الانتقام.
بشر مسالمون لم يخطر فى بالهم يوماً أن تنقلب حياتهم رأساً على عقب، ويتخلوا عن كل ما آمنوا به، ويتركوا وراءهم كل ما عملوا من أجله، وينذروا أنفسهم لانتقام لا يفكرون فيما بعده.
وكثيرة هى العوامل التى قادت إلى هذا الوضع المؤلم على مدى عدة عقود. ولكن الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 كان نقطة تحول بمعنى الكلمة. قرار مجنون أطلق جنوناً لا نهائى كانت عوامله تتراكم. الإمعان فى إذلال جنود عراقيين دفع أعداداً منهم إلى أحضان الإرهاب، الذى ما كان له أن يتصاعد فى العراق وسوريا لولا تعطشهم للانتقام ممن أذَّلوهم أمريكيين كانوا أو عراقيين أعماهم التطرف المذهبى فلم يُقدَّروا تداعيات ما فعلوه.
فتح الغزو الأمريكى دائرة الانتقام التى توسعت، وتعددت حلقاتها، وشملت فئات لم تكن طرفاً فى أى صراع مثل الإيزيديين (أقلية صغيرة فى شمال العراق) المسالمين بطابعهم. فقد تعرضوا لحصار إجرامى من تنظيم «داعش»، وقُتل عدد غير معروف من رجالهم، وسبى غير قليل من بناتهم.
وجاء الآن دور الفتيات اللاتى احتجزهن «داعش» سبايا لينتقمن. فتيات رائعات فى عمر الزهور. كان لكل منها حياتها ومستقبلها. وجدن أنفسهن فجأة سبايا بعد اعتقالهن ونقلهن إلى مدينة الرقة السورية إثر هجوم «داعش» على منطقة سنجار فى أغسطس 2014.
لم يعد فى إمكانهن العودة إلى حياتهن بعد تحريرهن. أصبح الانتقام غايتهن. اختار بعضهن الانضمام إلى «قوات سورية الديمقراطية» ذات الأغلبية الكردية التى تقاتل «داعش» الآن فى الرقة. ترتدى كل منهن زى القتال، وتحمل سلاحها لتثأر لمئات الفتيات اللاتى عشن المأساة مثلها، وتُحرَّر الباقيات منهن.
إنها دائرة الانتقام الرهيبة التى يسهل فتحها، ويصعب غلقها.