بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا حدود فيما يبدو لأزمة اليسار الممتدة منذ عقود. كلما بدا أنها بلغت ذروتها ولم يعد فيها مجال لجديد، تبين أن تجلياتها لا تنتهى فى أداء معظم أحزاب وحركات التيار الذى رفع ذات يوم لواء فكرة العدالة الاجتماعية. كما تظهر هذه التجليات بقوة فى سلوك أفراد يؤمنون بمبادئ اليسار، ولكنهم مستقلون أو صاروا كذلك بعد انفصالهم عن أحزاب أو حركات يسارية. ويبدو هذا النوع من التجليات (الفردية) أكثر إثارة لما ينطوى عليه من مفارقات لا تخلو من غرائبية، بل تحفل بكثير منها، مثل مشاركة شباب يساريين أوروبيين وأمريكيين فى الحرب السورية من موقعين متناقضين.
ليس غريباً أن يشارك يساريون فى حروب بعيدة عن بلادهم. فكم منهم شاركوا فى معارك فى أميركا اللاتينية فى زمن جيفارا وبُعيده. كما شارك بعضهم فى صفوف “الفينكونج” فى حرب فيتنام.
ولكن الغريب هو نوع المشاركة فى الحرب السورية. فقد التحق عدد منهم بصفوف قوات الاتحاد الديمقراطى الكردستاني, وهى ركيزة ما يُسمى “قوات سوريا الديمقراطية” التى تقاتل “داعش” فى شمال شرق سوريا. ورغم أن هذا حزب يساري، ولكنه حزب عرقى أيضاً، أى أن يساريته مشوبة بنزعة قومية متطرفة كانت تثير قلق اليسار. ولكن ليس هذا ما أثار قلق الشابين الأمريكيين بريس بيلدين ولوكاش جايان ودفعهما إلى مغادرة سوريا، بل تحالف الحزب الكردى مع الولايات المتحدة التى يعتقدان أنها قوة إمبريالية ينبغى التصدى لها.
والأكثر إثارة للاستغراب أن بعض الشباب اليساريين التحقوا فى المقابل بتنظيم “داعش”، بعد أن خدعتهم دعايته الموجهة الى غبر العرب, والتى تزعم أنه يقاتل من أجل تحرير الشعوب من الاستعباد، وتحقيق العدالة فى العالم. فقد حرص “داعش” فى مرحلة صعوده على تعميم دعاية موجهة إلى الشباب فى الغرب عبر مواقع “التواصل الإجتماعي”، اعتماداً على خطاب خادع ذى محتوى “تقدمي”. ونجح فى جذب شباب غربيين، ومن بينهم يساريون كانو يبحثون عن قضية عادلة كبرى يقاتلون من أجلها. وهكذا يذهب شباب يساريون لمحاربة الإرهاب من خلال مساندة حزب كردى يسارى ومتشدد قومياً، بينما يدعم شباب يساريون آخرون هذا الإرهاب فى الوقت نفسه دون أن يدركوا ما يفعلونه. إنها حقاً أغرب تجليات أزمة اليسار التى لا تقف عند حد.