بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
عندما تسمع صوت الفنانة الكبيرة فيروز وتتأمل أداءها، وقد تجاوزت الثمانين من عمرها، تعرف معنى الوصف الذى أُطلق عليها ذات يوم، وهو أنها مدرسة فنية لا يؤثر فيها الزمن، وليست مجرد حنجرة ذهبية نادرة وصوت ساحر عذب راق. ويتجسد هذا المعنى مجدداً عندما تسمع أى مقطع من أغنية فيروز القصيرة الجديدة التى فاجأت ابنتها ريما الرحبانى جمهورها بها قبل أيام.
أغنية «لمين» التى لا تتعدى الثلاث دقائق، والمهداة إلى عاصى الرحبانى فى الذكرى الحادية والثلاثين لرحيله (21 يونيو الماضى), أخذتها ريما من أغنية للمغنى الفرنسى الراحل جيلبير بيكو عنوانها «لمن تسهر النجمة»، وأبدعت فيروز كعادتها وهى تغنيها بإحساس مرهف. ليس مفهوماً لماذا اختارت ريما الرحبانى أغنية تعبر عن شعور بعبثية الحياة لكى تقول لوالدها الراحل إن أحباءه اشتاقوا إليه.
وبغض النظر عما إذا كانت قد وُفقت أو لم تُوفق، فى اختيار هذه الأغنية، فقد جعلتها فيروز مؤثرة، وأكدت مجدداً أن الفن الحقيقى لا يشيخ ولا يتأثر بتقدم فى عمر الفنان. ولذا ينتظر جمهورها الآن الألبوم الجديد الذى أعلنت ريما الرحبانى أنه سيُطرح فى سبتمبر القادم تحت عنوان «ببالى»، وستكون هذه الأغنية جزءاً منه. ولا نعرف هل شارك زياد الرحبانى بموسيقاه فى هذا الألبوم، أم أن الخلاف السياسى الذى أبعده عن والدته مازال مؤثراً فى علاقته معها.
وليست فيروز وحدها التى تؤكد أن الفن العظيم لا يتأثر بالزمن. أكدت الفنانة الكبيرة نجاة الصغيرة هذا المعنى فى يناير الماضى عندما فاجأتنا أيضاً بأغنية «كل الكلام» التى كتبها الراحل عبد الرحمن الأبنودى. وهما من الجيل نفسه، إذ تصغر نجاة فيروز بحوالى ثلاث سنوات.
ولكن من يسمعها لا يشعر بأثر الزمن، بل ربما ينسى أنه يمضى أصلاً، وخاصة فى حالة نجاة التى اختفت تماماً من الساحة منذ أن قررت اعتزال الفن عام 2002، بخلاف فيروز التى قل حضورها الفنى، ولكنها لم تبتعد كلياً عن جمهورها الذى ظلت على تواصل معه من وقت إلى آخر، وخاصة فى ذكرى رحيل زوجها عاصى مؤسس «الظاهرة الرحبانية» فى الأغنية العربية مع أخيه منصور. وكانت إطلالتها الأخيرة- قبل أغنية «لمين»- فى أبريل الماضى عندما قدمت أغنية «فى ملكوتك» فى مناسبة عيد الفصح.