بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
عميد الأدب العربى د. طه حسين هو من قال فى مطلع أربعينيات القرن الماضى إن التعليم كالماء والهواء. وهو، أيضاً، من سعى لتحويل اقتناعه بأهمية التعليم إلى واقع، عندما عمل مع أحمد نجيب الهلالى وزير المعارف عام 1943، ثم توسع فى هذه المجانية خلال توليه وزارة المعارف عام 1950.
واستخدم الكاتب المسرحى المشهور يوجين يونسكو، الذى تحل فى هذه السنة الذكرى العاشرة بعد المائة لولادته، تشبيهاً مماثلاً، أو قريباً، للدلالة على أهمية الإبداع والثقافة والمعرفة، إذ اعتبرها أشكالاً أخرى للتنفس، أى أن الروح تتنفس عن طريقها، وبالتالى يحتاجها الإنسان مثل حاجته إلى الهواء.
ورغم أن يونسكو أعطى الفن أهمية خاصة فى هذا السياق، فقد دعا كل من يستطيع أن يسهم فى نشر المعرفة إلى بذل أقصى جهد لتوسيع نطاق من يتلقونها. لكن الفن ظل موضع اهتمامه الأول، وهو الذى عاش حياته فيه، وله. ولم يجانبه الصواب فى اهتمامه الفائق بالفن، واقتناعه بالقيمة التى يضيفها فى أى مجتمع. وكان محقاً، كذلك، فى تمييزه بين المجتمعات على أساس مدى تقديرها للفن، وعنايتها به. وهو من قال إن «بلداً لا يُعرف الفن فيه على نطاق واسع، ولا يُكرم على أعلى مستوى، إنما هو غالباً بلد بلا روح».
ولذلك ملأ يونسكو الدنيا فناً بطريقته التى لم تعجب كثيرين، خاصة من لا يحبون مسرح اللامعقول الذى يُطلق عليه أيضاً مسرح العبث. فقد أراد التعبير عن حال الإنسان المعاصر، الذى رأى أنه يعانى شعوراً بالاغتراب، ولا يجد فائدة فى التواصل، أو فقد إنسانيته بسبب الإفراط فى الاعتماد على الآلات. ولم يعش يونسكو ليرى ما تفعله ثورة الاتصالات بالبشر فى الوقت الراهن، فإذا كانت الميكنة المتزايدة أزعجته، فما بالك بالرقمنة وتداعياتها التى تجاوزت تحويل الإنسان إلى آلة، ووصلت إلى استبدال آلة روبوت به.
وربما كان خوفه مما يفعله الإنسان بنفسه، وبالحياة، على هذا النحو سبباً فى افتقار شخصيات مسرحياته إلى المنطق. لكن الأكيد أن هذا الخوف كان وراء إيمانه بأن الفن, والإبداع عموماً، كالهواء لأن روح الإنسان تتنفس بواسطته.