بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
رؤية متكاملة لمستقبل مصر، وليس للتطور الديمقراطى فيها فقط، يطرحها د. على السلمى فى كتابه الجديد الصادر قبل أيام تحت عنوان «مصر والديمقراطية». يأخذنا السلمى فى رحلة طويلة إلى ما ينبغى ألاَّ يغيب عنا بشأن الركائز اللازمة لما يسميه فى مواضع عدة التطوير الوطنى. غير أننى حين فكرتُ فيما تشتد حاجتنا لأن تذكره من بين كل ما طرحه، ولا يتسع له المجال هنا، وجدتنى مشدوداً إلى مسألة إعادة صياغة العلاقة بين الحكومة المركزية ومستويات الإدارة المحلية. فرغم أن التجارب المقارنة فى العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أثبتت وجود علاقة طردية بين مستوى اللامركزية ومدى النجاح والإنجاز اللذين يحققهما المجتمع، ظلت هذه المسألة هامشية لدينا، ولا نكاد نذكرها فى مناسبة أو أخرى حتى ننساها أو نتناساها.
يضع السلمى مسألة اللامركزية ضمن المقومات الأساسية للتطوير الوطنى، والتحول الديمقراطى، فى آن معاً، لأن الاتجاه إليها يُعيد صياغة وجه الحياة على الأرض اجتماعياً وثقافياً، وليس سياسياً واقتصادياً فقط.
ووفق منهجه فى هذا الكتاب، يُفكَّك السلمى مسألة اللامركزية إلى عناصرها الأساسية فى إطار رؤية متكاملة للتحول من حالة الإدارة المحلية التى باتت عبئاً على المجتمع، إلى نظام الحكم المحلى على أسس تهدف إلى تجنب الاختلالات التى ضربت تلك الإدارة على مدى عقود.
ومن أهم العناصر التى يُذَّكرنا السلمى بها فى هذا السياق اللامركزية الرأسية، أى نقل السلطة من المستويات الإدارية أو السياسية أو المجتمعية الأعلى إلى المستويات الأدنى، واللامركزية الأفقية، أى نقل السلطة من مركز قرار وحيد لتوزيعها بين مراكز متعددة لاتخاذ القرارات فى الواقع الأقرب للمشاكل، واللامركزية المكانية وأى نقل سلطة اتخاذ القرارات إلى الأماكن الأقدر على تشخيص المشاكل والتعامل معها. ودلالة نقل السلطة فى هذه الاتجاهات الثلاثة أن اللامركزية لا تقتصر على الإطار الرسمى وحده. وإذ يُذَّكرنا كتاب السلمى بالأهمية القصوى للامركزية، إنما يطرحها بوصفها فلسفة حياة، ونمط إدارة مجتمعية شاملة تتجاوز النطاق الإدارى الذى يحصرها كثيرون فيه، لتكون تعبيراً عن حالة شاملة تتيح للمواطنين أفراداً وجماعات أداء واجباتهم وممارسة حقوقهم، وتجعل المجتمع أكثر حيوية وإنتاجية، وليست مجرد نقل سلطات من الوزارات والأجهزة المركزية إلى الوحدات المحلية.