د. وحيد عبدالمجيد
كثيرة هى أسباب أهمية الانتخابات الرئاسية الفرنسية التى ستجرى جولتها الثانية الحاسمة غداً بين الليبرالى الوسطى ايمانويل ماكرون، والقومية المتطرفة مارى لوبن. ومن هذه الأسباب أنها مثَّلت اختباراً لجدوى استطلاعات الرأى العام بعد الفشل الذى منيت به مراكز ومعاهد عريقة فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، وقبلها فى استفتاء «البريكزيت» فى بريطانيا. ولا ننسى أن الفشل بدأ فى فرنسا نفسها، بل ربما صار مزمنا منذ انتخابات 2002 حين أحبط والد مارى لوبن المرشحة فى الانتخابات الحالية مراكز الاستطلاع ووصل إلى الجولة الثانية بدلاً من ليونيل جوسبين الذى أجمعت الاستطلاعات على أنه سيواجه جاك شيراك فيها.
ولذلك تعلقت أنظار المهتمين باستطلاعات الرأى العام فى العالم بالانتخابات الفرنسية الحالية0 ووضعوا أيديهم على قلوبهم بسبب التعقيدات المحيطة بها، والصعوبات التى تواجه العمل الاستطلاعى، خاصة فى ضوء تقارب حظوظ أربعة مرشحين للمرة الأولى فى تاريخ هذه الانتخابات، وارتفاع نسبة المترددين. غير أن الاستطلاعات نجحت فى اختبار الجولة الأولى، وأصبحنا فى انتظار الجزء الثانى من الاختبار فى جولة الحسم غداً. فقد جاءت نتيجة الجولة الأولى التى أجريت الأحد الماضى قريبة للغاية، بل شبه متطابقة، مع الاتجاه العام فى الاستطلاعات. وجاء ترتيب المرشحين وفقا للنتيجة الرسمية للجولة الأولى مطابقاً لما أظهرته الاستطلاعات التى وضعت ماكرون فى المقدمة وبعده مارين لوبن0 وعندما وقع الهجوم الإرهابى فى ساحة الشانزليزيه قبل نحو 60 ساعة فقط على بدء الاقتراع، وتوقع بعض المحللين صعود لوبن إلى المركز الأول وذهب بعض آخر منهم إلى أن فرانسوا فيون الأكثر تشدداً من ماكرين قد يتخطاه، لم تهتز الاستطلاعات بل حافظت على اتجاهها العام الذى أكدته نتيجة الانتخابات. وقل مثل ذلك عن ترتيب المرشحين من الثالث إلى الخامس، فقد شكك كثيرون فى صحة الاستطلاعات التى رصدت صعود نجم اليسارى المتطرف جان ميلونشون، واقترابه الشديد من فيون فى الأيام الأخيرة، وهو ما ثبتت صحته حيث جاء الفرق بينهما أقل من نصف فى المائة.
وهكذا استعادت استطلاعات الرأى العام الاعتبار رغم أن أكبر مراكزها فى فرنسا يعمل على عينة صغيرة للغاية لا تتجاوز ألف ناخب فى المتوسط، ولكنه يعتمد على منهجية دقيقة وتقنيات عالية لتعويض قلة العدد.