بقلم: د. وحيد عبدالمجيد
تنطوى معالجة بعض المراقبين لتراجع تنظيم “داعش” فى العراق، وسوريا، وخسارته مناطق عدة فى الشهور الأخيرة، على استهانة بقدرات الجيل الحالى من الإرهاب. بعض المستهينين كانوا من المبالغين فى هذه القدرات قبل أقل من عامين حين حقق «داعش» أكبر توسع فى تاريخ تنظيمات الإرهاب، خاصة حين سيطر على الموصل.
ويظهر هذا الذكاء فى القدرة على خوض حروب شبه نظامية إلى جانب المعارك الأهلية، أو ما يسمى حرب العصابات. اكتسب «داعش» القدرة على تكوين وحدات تشبه الفرق العسكرية النظامية فى وقت قياسى. لم يكن التحاق ضباط وجنود من الجيش العراقى- الذى تعرض لظلم فادح- بتنظيم «داعش» سعياً للانتقام كافياً لاكتسابه هذه القدرة ما لم يكن مهيئاً لاستيعابهم وتحقيق أقصى استفادة منهم فى وقت قصير للغاية. .كما تدل طريقته فى استخدام شبكة “الانترنت” على قدرات متميزة لا تخطئها العين. يتفق الخبراء فى هذا المجال على وجود مستوى عال من الحرفية فى نشر رسائل على نطاق واسع فى مختلف أنحاء العالم، والنجاح فى تجنيد أعداد كبيرة من الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعى. ويتطلب ذلك ذكاء وليس فقط امتلاك تكنولوجيا متقدمة.تتميز الشرائط التى يبثها بإدراك واضح لاختلاف الثقافات فى العالم، لأنها تخاطب أصحاب كل ثقافة بالطريقة المناسبة. فالرسائل الموجهة إلى العرب تختلف عن تلك التى تستهدف الأوروبيين، وغيرها مما يوجهه إلى آسيويين0 ولا يتيسر تحقيق ذلك دون قدرة على فهم معطيات الثقافة السائدة فى المنطقة التى يريد مخاطبة أهلها، وبلغاتهم بطبيعة الحال. وهذا يفسر التنوع الذى تتسم به شرائط الفيديو التى تحوى مواد مختلفة من المشاهد الوحشية التى يقصد بها الترهيب وبث الخوف فى قلوب أعدائه، إلى الصور التى يسعى من خلالها إلى الإيحاء بأن الحياة فيما يسمى «الدولة الإسلامية» هادئة ويسودها العدل، مروراً بمقاطع تظهر قدراته القتالية وترسم له صورة تزيد عن امكاناته الحقيقية0
وليست هذه إلا أمثلة على ما يتمتع به جيل الإرهاب من ذكاء لا ينبغى الاستهانة به, فى لحظة يتراجع فيها, حتى لا تفقد المعركة ضده زخمها الراهن .