بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ليس قراراً عادياً ذلك الذى اتخذه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لتحويل قيادة الدفاع الإلكترونى إلى قيادة قتالية متخصصة0 هدف القرار واضح, وهو تعزيز العمليات فى الفضاء الإلكتروني، وإيجاد مزيد من فرص الدفاع عن البلاد، وإظهار القدرة على التعبئة المستمرة فى مواجهة أخطار الفضاء الإلكتروني.
ومن شأن هذا القرار أن يجعل قيادة الدفاع الالكترونى فى وضع يعادل القيادات المتخصصة مثل قيادة القوات الخاصة، وقيادة الردع النووي، وكذلك القيادات الإقليمية فى المناطق التى توجد فيها قوات أمريكية.
وهذه نقطة تحول كبرى فى استراتيجية الحرب فى عالم يتغير بسرعة وفق إيقاع ثورة الاتصالات اللانهائية، لأنها تضفى على المعارك الالكترونية أهمية مساوية للعمليات القتالية الميدانية على الأرض، وفى السماء، وتكرس استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات سلاحاً حربياً، وتؤكد أن حروب الفضاء الالكتروني، أو ما يسميه البعض «حروب السيبر» ستحتل مساحات أوسع فى الصراعات الدولية والإقليمية، وربما تصبح هى الحروب الرئيسية فى مستقبل قريب، لأنها يمكن أن تلحق بالعدو أو الخصم خسائر هائلة فى وقت قصير وبأقل تكلفة (تكلفتها تقل عن قيمة معدة عسكرية واحدة).
وهذا ما تدل عليه المؤشرات بعد شن عشرات الآلاف من الهجمات الالكترونية المتفاوتة فى العامين الأخيرين فى اتجاهات مختلفة ولأهداف متنوعة. لم تعد هذه الهجمات تقتصر على محاولات التشويش على أنظمة الاتصال والرادار وأجهزة الإنذار، واختراق حسابات أو تعطيلها أو إتلافها أو السطو عليها، بل صارت تشمل العبث بعمليات انتخابية، وبالتالى تهديد شرعية الحكومات المنتخبة، وإصابة البنية التحتية المعلوماتية فى مجالات مختلفة، بعضها شديد الحيوية لحياة البشر مثل شبكات الكهرباء والمياه والنقل والمواصلات والطاقة والمصارف والمؤسسات المالية والخدمات الحكومية وغيرها، وكذلك أنظمة تحديد المواقع GPS التى لم يعد ممكناً الاستغناء عنها فى عدد متزايد من الأنشطة.
ولذا سيزداد الاهتمام بهذه الحرب الجديدة التى يحدث فيها القتال فى الفضاء الالكتروني، وتتسم بخصائص مختلفة تماماً عن الحروب التقليدية بشتى أنواعها، سواء من حيث مصادرها التى لا تسهل معرفتها، أو من زاوية عدم امكان توقعها. كما أن قدرات الردع الاستراتيجى لا تفيد فى تجنبها، مثلما لا تنفع القوة العسكرية مهما بلغت فى مواجهة هجماتها.