بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يعتقد الرئيس الأمريكى جو بايدن أن سلفه دونالد ترامب صنع الأزمة السياسية العميقة التى بدأ فترته الرئاسية فى أوجها، أو على الأقل قام بالدور الرئيسى فى تعميقها. ويصعب أن نعرف الآن هل يستطيع بايدن تصحيح هذا الاعتقاد، الذى ينطوى إما على نقص فى معرفة الواقع، أو عدم قدرة على إدراكه، أو ميل إلى إنكاره.
لا يبدو عقله فى اللحظة الراهنة مفتوحا لاستقبال ما يخالف هذا الاعتقاد، ومراجعته باتجاه فهم أن أزمة النظام السياسى الأمريكى أسبق من ترامب وأقدم، وأنها تفاقمت حتى بلغت ذروتها قبل فوزه فى انتخابات 2016، بل يجوز القول إن انتخابه كان نتيجة تراكمات هذه الأزمة التى دفعت عددا كبيرا من الأمريكيين إلى اليأس من النخبة التقليدية والبحث عن رئيس من خارجها.
يستطيع بايدن أن يفهم حقيقة الأزمة التى باتت خطرًا على مستقبل الولايات المتحدة، إذا فكر فيها بعقل أكثر انفتاحًا، وبطريقة مستقلة عن النخبة التى تحيطه من كل جانب. وعندئذ فقط، يمكن أن يفهم كيف تطورت أزمة النظام الذى يقف عند قمته الآن، منذ أن أصابه جمود بدأت مقدماته الأولى مع تربع الولايات المتحدة على قمة النظام العالمى مشاركةً مع الاتحاد السوفيتى السابق، وازدادت وتيرته بعد انهيار ذلك الاتحاد وتفككه فى نهاية الثمانينيات.
الجمود آفة خطيرة لأنه يتجاوز النظام السياسى حين يُصيبه، ويضرب مختلف الترتيبات التى تُنظّم حياة المجتمع أيضًا. ويستطيع بايدن أن يلمس، من موقعه الجديد، المدى الذى بلغه إخفاق المؤسسات السياسية فى تلبية تطلعات قطاعات كبيرة من المواطنين.
وفى إمكانه فهم كيف أدى هذا الجمود إلى انفصال آخذ فى الازدياد بين النخبة السياسية وقطاعات واسعة من جمهور تزداد الفجوة التى تفصله عن المؤسسات، وإلى أى مدى صار عدد متزايد من السياسيين قادرين على إتقان فنون الفوز فى انتخابات الكونجرس على المستوى الفيدرالى، كما على صعيد الولايات، وأتقنوا فنون تفريغ الديمقراطية من محتواها.
وهذا بعض ما يستطيع بايدن فهمه إذا استطاع التخلص من سردية أن ترامب هو سبب الأزمة السياسية الأمريكية.