بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ليس مفهوما لماذا تُصر الحكومة الفرنسية على إصدار قانون لمواجهة ما تعده خطرا ناجما عن وجود نزعات انفصالية فى أوساط بعض المواطنين والمقيمين المسلمين ، بعد التقدم الكبير الذى حدث باتجاه إصدار ميثاق مبادئ الإسلام، الذى يحقق الهدف نفسه ولكن بطريقة أفضل وأقل إثارة للالتباس.
فقد أفضى نقاش طويل أُجرى داخل المجلس الفرنسى للدين الإسلامى، تخللته ضغوط حكومية، إلى اتفاق أمكن التوصل إليه الأسبوع الماضى على نص ميثاق لتنظيم العلاقة بين المسلمين والسلطات فى فرنسا . ولا يُقلل هذا الإنجاز إرجاء ثلاث، من بين ثمانى جمعيات يتألف منها هذا المجلس، توقيعها النهائى عليه إلى أن تشرح محتواه لأعضائها.
والسؤال المطروح عن هذا التطور هو: هل تبقى حاجة إلى استمرار الجمعية الوطنية فى إجراءات إقرار مشروع قانون لإحالته إلى مجلس الشيوخ ، بعد الاتفاق على ميثاق يُطلق عليه فى كثير من وسائل الإعلام العربية شرعة مبادئ الإسلام. ولكن كلمة ميثاق أكثر دقة فى التعبير عن المقصود بالكلمة الفرنسية La Charte فى هذا السياق. فكلمة ميثاق تتضمن معنى الاتفاق والتعاهد، وهو ما حدث فى داخل المجلس الفرنسى للدين الإسلامى، وبينه وبين الحكومة.
ولكن المهم أن الميثاق يُحقق الهدف الذى تسعى إليه هذه الحكومة منذ خطاب الرئيس إيمانويل ماكرون الذى طرح فيه تصوره لما سماه إسلام فرنسا فى أول أكتوبر الماضى. الميثاق واضح فى توضيح التوافق بين مبادئ الدين الإسلامى، ومبادئ الجمهورية فى فرنسا ، وفى منع توظيف الإسلام لأغراض سياسية، ورفض تدخل أي دولة فى شئون المسلمين الفرنسيين، وكذلك بشأن تأسيس مجلس متخصص يتولى تعيين أئمة المساجد، وتحديد أوضاعهم، لإنهاء ظاهرة ادعاء القدرة على الإمامة وتنصيب أشخاص أنفسهم أئمة دون مؤهلات.
وعندما نتأمل محتوى الميثاق على هذا النحو، نجد أنه لم تعد ثمة حاجة إلى قانون لايزال يثير شبهة استهداف المسلمين وحدهم رغم تغيير اسمه من قانون محاربة الانفصالية الإسلاموية إلى قانون تعزيز مبادئ الجمهورية، وتوجد خلافات فى أوساط النخبة الفرنسية حوله، ويسعى المتشددون فيها إلى تقوية القيود التى ينص عليها.