بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا يعرف مؤيدو غلق حسابات الرئيس السابق دونالد ترامب فى مواقع التواصل الاجتماعى التابعة لشركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى قصة الثور الأسود الذى «قال» عندما هم الأسد بقتله: ( أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض ). تُروى هذه القصة فى سياق مثل شعبى مقصود به أن من يقبل تعريض زميله لخطر داهم، ويعتقد أنه سينجو منه، لا يلبث أن يلقى المصير نفسه.
وقد فرح ترامب من قبل، بل حرض على، غلق حسابات مجموعات يسارية عارضته مثل حركة معاداة الفاشية: أنتيفا، وها هو يجد نفسه فى الموضع نفسه الآن. فقد استغلت هذه الشركات الغضب على ترامب بعد اقتحام بعض أنصاره مبنى الكونجرس ، وسعى خصومه إلى إخراجه من المشهد السياسى، لانتزاع سلطة فعلية جديدة تُمكَّنها من احتكار تنظيم حرية التعبير عبر الفضاء الافتراضى.
ويسهم خصوم ترامب، من حيث لا يدرون، فى دعم هذا الميل الاحتكارى من جانب شركات لا يمكن أن تكون صادقة فى ادعاء أنها ترفض التحريض على العنف أو التمرد؛ لأن مواقعها التواصلية تعج بحسابات متطرفين، وبعضهم مُصنفون إرهابيين أيضًا.
وقد وقفت متفرجة، ولاتزال، إزاء استخدام تنظيمات مثل القاعدة ثم داعش هذه المواقع لتجنيد شباب ونشر التطرف والتنسيق فى ممارسة العنف هنا وهناك. ليس ترامب وحده المتهم بأنه حرَّض على التمرد، فضلاً عن أن هذا اتهام لم يثبت بعد عبر تحقيقات قضائية نزيهة تلتزم الإجراءات والقواعد القانونية المتعارف عليها، وليس عن طريق حملات سياسية يُنظمها خصومه الذين يبدو معظمهم مستعدين لفعل شيء، وقبول أى أخطار محتملة، فى سبيل إدانته.
كما أن الحماية القانونية التى تتمتع بها على أساس أنها مجرد منصات ينشر آخرون عليها، وليست شركات نشر تُسأل عما تنشره، لابد أن يقابلها التزام بوضع معايير شفافة لسياسة النشر عبر مواقعها. ولكنها لم تفصح عن هذه المعايير، التى يتعين أن تكون واضحة للجميع، لأنها تفضل فرض رقابة من جانب واحد على المحتوى. وهكذا يبدو أن الاحتكار الذى تمارسه شركات التكنولوجيا العملاقة يزداد، وأن محاولات وضع حد له تذهب أدراج الرياح حتى الآن.