بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
يستطيع الخيال الإبداعي أن يخلق ما لا يمكن التفكير في إمكان تحقيقه في الواقع. لم يكن ممكنًا أن يلتقي أربعة من كبار رموز الأمريكيين من أصل إفريقي إلا في فيلم (ليلة واحدة في ميامي).
ليلة ليست كأى ليلة. تخيل صانعو الفيلم أنها كانت فى آخر فبراير 1964، إثر فوز بطل الملاكمة العالمى الراحل كلاى ببطولة العالم للوزن الثقيل. لم يكن كلاى قد غير اسمه الأول من كاسيوس إلى محمد على فى تلك الليلة، التى التقى فيها ثلاثة رموز سود آخرين. وكأنه لحق فى آخر وقت كلاً من الفنان الأسود سام كوك الذى قُتل بعد أشهر قليلة، والداعية المسلم مالكوم إكس قبل أشهر أيضًا على اغتياله. أما رابعهم فهو لاعب الكرة الأمريكية، والممثل الذى لمع فى أدوار بطل مساعد جين براون.
نجح صانعو الفيلم فى تكثيف كم كبير جدًا من الأحداث والتفاعلات فى ليلة واحدة, ونسجوا حوارات وسجالات ممتعة بين الرموز الأربعة، فى سياق موقع كل منهم فى المجتمع ومواقفه تجاه القضايا الاجتماعية، بما فيها قضية العلاقة بين السود والبيض فى الولايات المتحدة.
أربعة رموز برز دور كل منهم فى مجاله. كان السؤال الأول الذى تبادر إلى ذهنى عن سبب اختيار مالكوم إكس، وليس مارتن لوثر، فى مجال النضال ضد التفرقة العنصرية. وسرعان ما وجدت الجواب. فقد اختاروا من تبنى موقفًا جذريا حادا تجاه هذه القضية، ليتسنى نسج سجالات مميزة. لم يكن إكس من رموز حركة الحقوق المدنية، التى ناضلت من أجل حقوق السود عبر خلق وعى عام بمسألة المساواة العرقية، بل من أركان حركة أمة الإسلام التى تبنت موقف القطيعة مع البيض دون رؤية واضحة، قبل أن يفيق متأخرًا وينشق عنها، فاغتيل على أيدى ثلاثة من أعضائها. فقد تخيل صانعو الفيلم، على سبيل المثال، إكس ناقدًا سلوك سام كوك، الذى قُدم فى صورة المفتخر بثرائه، رغم أنه لم يكن بعيدا عن حركة الحقوق المدنية.
وليست هذه إلا لمحة من عمل إبداعى كبير أساسه فكرة جديدة وشُغل متقن.