بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
جرائم ضد الإنسانية فى لبنان كما فى فى قطاع غزة. كان تدمير التاريخ, وليس الحاضر فقط, أحد الأهداف الفعلية للعدوان الإسرائيلى بعد فشله فى تحطيم قدرات المقاومة التى ما برحت تؤلم الصهاينة بعملياتها البطولية بعد أكثر من 500 يوم فى غزة، وأوجعتهم لنحو الشهرين فى جنوب لبنان. دمروا جزءاً من تاريخ بعلبك الحافلة بآثار ومواقع تراثية عدة أهمها قلعتها المشهورة بمعابدها الرومانية جوبيتر وفينوس وميركورى. يبلغ طول معبد جوبيتر 27 متراً، ويصل إلى 30 متراً عندما نضيف الحجر المنحوت فوقه. هكذا يوضح الصديق د. إياد الخطيب فى تعليقه على اجتهاد «قلوب مشبوكة بحجارتها». ويلفت انتباهنا فى هذا التعليق المثير للشجن إلى أن عدداً كبيراً من أبرز الفنانين نشأوا فى بعلبك، ومنهم والده الرسام والشاعر الراحل محمد على الخطيب، والرسام رفيق أشرف وغيرهما. كما أن الفنانة الكبيرة فيروز والرحبانية والفنانة صباح كانت بداياتهم فى بعلبك التى لم يبال العالم المنزوع ضميره بمحاولات تدميرها. وكذلك فرقة كركلا للرقص الشعبى وقائدها المايسترو عبدالحليم كركلا، والتى اشتهرت فى العالم بعد أن قدمت بعض أعمالها فى عدد من أهم مسارحه، مثل مسرح «كارنجى هول» فى نيويورك، و«كيندى سنتر» فى واشنطن، و«فورد إديتوريوم» فى ديترويت، و«الشانزليزيه» و«الأوليمبياد» فى باريس، و«سادلرز ويلز» فى لندن، وغيرها. ولعل عملها المسرحى المُبهر «أصداء»، الذى يحمل أصداء أزيز الطائرات الصهيونية خلال عدوان 1982 وقُدم على بعض أهم مسارح العالم، يُصوِّر جانباً من العدوان الأخير بعد مرور نحو 40 عاماً من عرضه. وعودة إلى التعليق المثير للشجن الذى يذَكرُنا كاتبه بأعمال والده عن بعلبك, ومن أهمها جدارية «بنيان بعلبك» التى تعبر عن تصور راسمِها لكيفية نقل الحجارة بعد اقتلاعها من أماكن متعددة إلى الموقع الذى بُنيت فيه القلعة عبر وضعها على قطع خشبية طويلة ومستديرة. تحية لبعلبك، وللبنان الذى واجهت مقاومته بشجاعة رابع عدوان صهيونى فى أقل من نصف قرن، وأحبطت محاولة القضاء عليها توطئةً لتغيير المنطقة، ولشعبه الذى قدم أكثره نموذجاً ملهماً للصمود برغم بشاعة الجرائم الصهيونية.