بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
يفيد كتاب الصديق حمدى رزق «كيرياليسون0 فى محبة الأقباط» فى الإلمام بكثير من جوانب أوضاع المصريين المسيحيين، وعلاقاتهم مع المسلمين، والتحولات التى أثرت فى هذه العلاقات فى اتجاهات مختلفة أخطرها ما صار يُعرف بـ«الفتنة الطائفية».
يفيض الكتاب بمحبة حقيقية لمصر وشعبها، وبالتالى لمسيحييها الذين يتحملون تبعات هذه الفتنة ويصبرون عليها. ولكن أفضل ما فى الكتاب أنه يقدم جرعة معرفية عن المصريين المسيحيين، والمسيحية، يقل مثلها رغم الحاجة الملحة لأن يعرف المسلمون والمسيحيون بعضهم بعضاً.
غياب المعرفة يؤدى فى كثير من الأحيان إلى انتشار صور نمطية سلبية بشأن أى أمر لا نعرفه. وكان رزق موفقاً عندما جعل كلمة «كيرياليسون» عنواناً رئيسياً للكتاب. لا يعرف المسلمون أنهم يُردَّدون معنى هذه الكلمة كثيراً, مثلما يفعل المسيحيون فى صلواتهم. وهذه كلمة يونانية الأصل تعنى «الرحمة يارب»، وتتكون من شقين هما كيروس أى الرب، وإيليسون أى الرحمة ومشتقاتها.
وفضلاً عن الآثار السلبية للصور النمطية المترتبة على غياب المعرفة، تحدث أخطاء ساذجة فى وسائل الإعلام فى بعض المناسبات. ورغم مرور 8 سنوات على جريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية، مازال إعلاميون ينطقون كلمة القديسين (بكسر السين) أى يجعلونها جمعاً، وليس بفتحها لكونها مثنى، حيث يُقصد بها القديسان مار مرقس وبطرس.
أمور تبدو بسيطة، ولكنها تدل على مدى الجهل المتبادل فى مجتمع لم يعد فيه إلا أصحاب دينين اثنين، بعد أن قضت الصهيونية على وجود اليهود فيه. نجد فى بعض المجتمعات المتقدمة من الأديان والأعراق ما لا يُعد بسهولة. ومع ذلك يتوافر حد أدنى من المعرفة المتبادلة، رغم أن تقدم هذه المجتمعات جعل المواطنة فوق أى انتماء آخر. والمؤسف أننا كنا فى مصر مثل هذه المجتمعات قبل عدة عقود. فلم يكن أحد منا يعنيه, مثلاُ, دين زميله فى المدرسة فى الستينيات.
وإلى أن نستعيد العلاقات القائمة على المواطنة، نحتاج معرفة متبادلة للحد من الاحتقان الذى يزداد كلما قل التعارف، الذى عبر الراحل أحمد فؤاد نجم عن أهميته على صعيد آخر عندما سخر من إقامة «تحالف قوى الشعب» فى الزمن الناصرى دون أن يعرف هذا الشعب بعضه: (يعيش أهل بلدى وبينهم مفيش/ تعارف يخلى التحالف يعيش).