بقلم - د. وحيد عبدالمجيد
ليس هناك أسهل من إطلاق أحكام قطعية على ظواهر جديدة يتطلب فهمها بحثا جادا ودراسة عميقة. والأسهل دائما أن نرفض الجديد الذى يحتاج جهداً لمعرفته. فكثيرا ما يرتبط إصدار أحكام الإدانة بالهرب من مسئولية البحث والدراسة.
وينطبق هذا على بعض الأحكام التى يصدرها قلقون من صعود تيارات راديكالية يمينية ويسارية فى أوروبا0 وقد ازدادت الأحكام حدة بمناسبة انتخابات البرلمان الأوروبى، التى أجريت بين 23 و26 مايو الماضى.
هذه التيارات متهمة بأنها متطرفة, وشعبوية، وتخلق حالة استقطاب حادة0 وقد يكون لهذه الاتهامات أساس فى مواقف هذا أو ذاك منها0 لكن ما يتطلب بحثا موضوعياً جاداً هو اتهامها بأنها إقصائية تريد احتكار المجال العام، ومن ثم معادية للديمقراطية0 فعندما نبحث عن أساس لهذا الاتهام تحديدا، لا نجد ما يدل عليه فى الواقع0
ولذا, فقبل توجيه مثل هذا الاتهام، لابد أن نبحث ما آلت إليه الديمقراطية نتيجة أداء النخب السياسية التقليدية التى توجهه0 فقد ظهرت التيارات الراديكالية ردا على تدنى أداء هذه النخب، وفقدان قطاعات متزايدة من الناخبين الثقة فيها، وإنكارها الواقع، بدل أن تحاول فهم أبعاد الغضب الشعبى المتنامى ضدها.
وليس فى خطاب التيارات المتهمة بالتطرف والشعبوية ما يمكن أن نعده متعارضا مع الديمقراطية, التى تقوم فى الأساس على التنافس بين أطراف مختلفة تقدم بدائل متعددة.
ولم يفعل اليمين الذى يوصف بأنه متطرف، واليسار الذى يوصم بالتشدد، أكثر من ذلك. فالتيارات الراديكالية الجديدة تريد إزاحة النخب التقليدية، وليس إلغاءها، وتهدف إلى الفوز عليها، وليس إلى إقصائها0 وهذا هو نفسه ما تسعى إليه تلك النخب، التى تظن أنها هى الديمقراطية، وأن كل ما عداها لا يمكن إلا أن يكون خطرا على النظام الديمقراطى.
أما أن التيارات اليمينية الراديكالية الصاعدة شعبوية، فلا يعنى هذا أنها ضد الديمقراطية، بل ربما يدل على أنها تتطلع إلى تطعيم الديمقراطية التمثيلية بأشكال من الديمقراطية المباشرة0 فلنتمهل، إذن، فى تقييم هذه التيارات، التى تتسم فى معظمها بنزعة عملية براجماتية، بخلاف القالب التى يصبها فيه من يتعجلون إصدار أحكام قطعية ضدها.