بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تثير انتخابات الكنيست الجديدة المُعادة، والتي ستُجرى في 17 سبتمبر الجاري، أسئلة من أهمها سؤال عن حدود التغير الذي يمكن أن تسفر عنه نتائجها، والتفاعلات السياسية والحزبية التالية لها، خاصة بشأن تشكيل حكومة جديدة. والمتوقع أن تكون هذه التفاعلات الأكثر تعقيداً في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية، بعد أن فشل نتنياهو في تأليف حكومة كُلف بتشكيلها بعد حصول حزبه «ليكود» على أكبر عدد من المقاعد في انتخابات أبريل الماضي.
ويستند هذا التوقع على مؤشرات إلى عدم حدوث اختلاف يُذكر في ميزان القوى، الذي عجز نتنياهو في ظله عن تشكيل حكومة، مما أدى لتوافق على حل الكنيست الذي كان منتخباً لتوه، والذهاب إلى انتخابات أخرى. وتفيد استطلاعات الرأي العام استمرار تفوق معسكر اليمين الصهيوني، الذي يحتكر الحكم منذ حوالي العقدين، وثبات أحد أركانه الأساسيين (أفيجدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا») على موقفه الذي تسبب في منع نتنياهو من تشكيل حكومة، للمرة الرابعة على التوالي منذ 2009 (كان قد تولى رئاسة الحكومة قبل ذلك بين 1996 و1999).
ورغم أن ليبرمان أوصى حينها بتكليف نتنياهو لتشكيل الحكومة، فقد اشتد الخلاف بينهما خلال المفاوضات الائتلافية، وتمسك زعيم «إسرائيل بيتنا» بضرورة إنهاء الامتياز الممنوح للمتدينين بتأجيل خدمتهم العسكرية إلى أجل غير مُسمى. وتوسع هذا الخلاف خلال حملة الانتخابات الجديدة، إذ يفضل ليبرمان استبعاد الحزبين الدينيين الرئيسيين، «يهودت حتوراه» و«شاس»، من الحكومة القادمة، وعدم تولي نتنياهو رئاستها.
وإذا صدقت نتائج الاستطلاعات، فليس مستبعداً حدوث تغير في الخريطة السياسية الإسرائيلية، وتحديداً في خريطة أطراف الحكم والمعارضة، أي في تركيب الحكومة القادمة، رغم استمرار ميزان القوى العام الذي يُعطي معسكر اليمين في مجمله تفوقاً بنسبة تتراوح بين 54 و56%. وحسب الاتجاه الغالب في هذه الاستطلاعات، يُتوقع حصول هذا المعسكر في مجمله على عدد المقاعد نفسه الذي ناله في انتخابات أبريل الماضي (65 مقعداً)، أو أكثر قليلاً. وكان هذا العدد كافياً لتشكيل حكومة تنال ثقة الكنيست المنتخب في أبريل، قبل أن يتصاعد الخلاف بين نتنياهو وليبرمان. ورغم أن حزب «إسرائيل بيتنا» لم يحصل إلا على خمسة مقاعد، فقد كانت كافية لعرقلة تشكيل حكومة تحتاج 61 مقعداً على الأقل لضمان الثقة.
وإذ تدل الاستطلاعات على أن حصة حزب «إسرائيل بيتنا» ستزداد، وقد تصل إلى تسعة أو عشرة مقاعد، خصماً على الأرجح من أحزاب يمينية أخرى، يصبح تشكيل حكومة يمينية خالصة أكثر صعوبة مما كان عقب انتخابات أبريل، في ظل تصاعد الخلاف بين نتنياهو وليبرمان.
وفي هذه الحالة يمكن تصور ثلاثة احتمالات لتشكيل حكومة جديدة، ينطوي اثنان منها على اختلاف ملموس في الخريطة السياسية. وأول هذين الاحتمالين انتقال «ليكود» إلى المعارضة للمرة الأولى منذ 2001، وتشكيل حكومة عبر تفاهم بين حزب «كاحول-لافان» (أزرق-أبيض) اليميني الوسطي الجديد، و«إسرائيل بيتنا»، واتجاه أحزاب يمينية أخرى للانضمام إلى هذا التفاهم. وعندئذ قد يُفتح الباب أمام ائتلاف برئاسة بيني غانتس، رئيس «كاحول-لافان»، أو يتناوب على رئاسته مع ليبرمان.
والاحتمال الثاني هو تشكيل حكومة موسعة تحدّث عنها ليبرمان أكثر من مرة. وليس واضحاً بعد مدى «التوسع» في هذه الحكومة، نظراً لصعوبة تصور مشاركة أحزاب اليسار الصهيوني فيها، بخلاف حالات سابقة شُكلت فيها حكومات وحدة وطنية. كما يصعب تصور وجود «ليكود» فيها، إذا بقي ليبرمان متمسكاً برفضه تولي نتنياهو رئاستها.
ويقودنا تعقد الوضع على ذلك النحو إلى احتمال ثالث ينطوي على استمرار الخريطة السياسية الراهنة، إذا انقلب قادة «ليكود» على نتنياهو، وتوافقوا مع ليبرمان على تسمية واحد منهم لتشكيل الحكومة القادمة. ورغم أن نتنياهو منتبه لهذا الاحتمال، فليس من المستبعد حدوث انقلاب ضده، بحجة أن دور «ليكود» أهم من بقاء نتنياهو رئيساً للحكومة.
وفي كل الأحوال، تبدو إسرائيل مُقدمة على مرحلة جديدة قد تشهد اختلافاً في خريطتها السياسية، وتركيب حكومتها القادمة، أو في رئاسة هذه الحكومة، الأمر الذي يتطلب استعداداً فلسطينياً، وعربياً أيضاً، للتعاطي مع هذه المرحلة وما قد يستجد فيها.