بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
قليل من يُحققون إنجازات كبيرة في مواقع مختلفة يشغلونها، ويسهمون أيضًا في إثراء المعرفة بشكل مستمر. جورج شولتز، الذي رحل قبل أيام بعد أن تجاوز عمره المائة عام، واحد من أبرزهم. لم يكن مجرد وزير خارجية قام بدور رئيس في صنع سياسة الولايات المتحدة العالمية، وليس في تنفيذها فقط.
كان اقتصاديًا ماهرًا أيضًا يعترف خصومه الفكريون بنجاحه فى ترويج الليبرالية الجديدة، مستفيدًا من خلفيته كأكاديمى حصل على درجة الدكتوراه فى الاقتصاد الصناعى، ومعتمدًا على خبرته فى مواقع اقتصادية شغلها, قبل أن يتولى وزارة الخارجية بين 1982 و1988 فى إدارتي رونالد ريجان. تاريخ حافل بالعمل والتفكير. ولهذا لم يبالغ معهد هوفر، الذى بقى مرتبطًا به حتى وفاته، عندما قال عنه إنه أحد أكبر الإستراتيجيين فى مختلف العصور.
ولكنه لم يحصل على شهرة عالمية حظى بها آخرون مثل هنرى كيسنجر الذى أجاد تسويق نفسه، بخلاف شولتز الذى ابتعد عن الأضواء فى العقود الثلاثة الأخيرة، رغم أنه أصدر فيها أهم كتبه. أسهم شولتز فى تغيير اتجاه التاريخ عندما استخدم الأدوات الدبلوماسية لإنهاء الحرب الباردة لمصلحة الولايات المتحدة. وبدأ دوره هذا منذ أن أقنع ريجان بأن يكلفه بحضور جنازة الأمين العام للحزب الشيوعى السوفيتى تشيرنينكو عام 1985، حيث التقى خلفه جورباتشوف ونسج معه علاقة غيرت مجرى العلاقات الدولية. لم يبح بكل أسرار ما حدث, قبل تفكك الاتحاد السوفيتى، فى مذكراته التى أصدرها عام 1993 تحت عنوان (اضطراب ونصر).
وكان هذا أول كتاب أصدره شولتز بعد الكتاب ذى الصبغة الأيديولوجية (اختيار الحرية الاقتصادية) الذى شاركه فى كتابته جون تايلور، وقدَّم له ميلتون فريدمان أحد رواد الليبرالية الجديدة. ومهما يكن الاختلاف مع شولتز فى فكره الاقتصادى، فقد قدم إسهامات أكاديمية مهمة فى عدة كتب وظل يكتب، أو ربما كان يُملى فى سنواته الأخيرة، حتى عشية وفاته، إذ صدر آخر كتبه العام الماضى تحت عنوان: (مفصل تاريخى: الحكم الرشيد فى عالم جديد بازغ)، بالتزامن تقريبًا مقاله الأخير أيضًا، بمناسبة عيد ميلاده المائة، والذى نقد فيه نهج دونالد ترامب.