بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
شريط طويل يمر فى الذهن عند مشاهدة أى من حلقات مسلسل “دفعة بيروت”، الذى ينطوى على تحية إلى مدينة لها فى قلوب كثير من المثقفين العرب محبة، ولبعضهم فيها ذكريات، كانت أكثر مدن العرب حيوية. مدينة تنبض بالحياة صارت منكوبة بعد أن اجتمعت عليها تداعيات أزمة سياسية واقتصادية ومالية هى الأخطر فى تاريخها، وويلات جائحة كورونا إذ صارت لبنان فى الشهرين الأخيرين ضمن أكثر دول العالم ابتلاءً بها من حيث نسبة الإصابات إلى عدد السكان.
ربما لا نجد شيئًا مميزًا من الناحية الفنية فى هذا العمل الدرامى، وقد يكون مستوى السيناريو أقل مما يلزم لمثل هذا العمل0 ولكنه أحد أفضل الهدايا المعنوية التى تبارى مثقفون عرب فى تقديمها إلى بيروت فى محنتها الراهنة، خاصة منذ الانفجار الذى ضرب ميناءها البحرى فى 4 أغسطس الماضى. كما يتميز بأنه عمل عربى يجمع فنانين من بلدان عدة، نجحت مؤلفته الكويتية هبة مشارى، ومخرجه البحرينى على العلى، ومنتجه اللبنانى جمال سنان، فى تقديم عمل فنى مُعبر عن أحد أهم سمات بيروت التى فتحت أبوابها لأعداد كبيرة من العرب، طلابًا ومثقفين وسياسيين ورجال مال وسائحين. والطلاب هم الفئة التى اختارها صانعو المسلسل للتعبير عن هذا المعنى. مجموعة طلاب من بلدان عربية مختلفة يدرسون فى الجامعة الأمريكية فى بيروت فى أحد أكثر فتراتها ازدهارًا قبل الحرب الأهلية فى منتصف السبعينيات.
وكم من نجوم لمعوا فى سماء السياسة والثقافة العربية، وكانوا طلابًا فى هذه الجامعة العريقة. ولهذا يبدو موفقًا اختيار الطلاب العرب فى بيروت مدخلاً لعمل يهدف فى النهاية إلى تقديم تحية لها فى محنتها، والتذكير بفضلها. فالعلاقات بين طلاب عرب هى محور المسلسل. علاقات متعددة الجوانب تطرح من خلالها قضايا سياسية وثقافية ودينية وتُناقش عبرها أبعاد التعددية الاجتماعية فى لبنان، وعلاقته بالعرب والعالم، وتظهر فى سياقها مزايا بيروت ومشاكلها. عدد كبير من الفنانين العرب كويتيين وسوريين وبحرانيين وعراقيين وإماراتيين، ولبنانيين بالطبع، اسهموا فى تقديم تحية جميلة إلى بيروت، ولكل منهم تحية على هذه المساهمة.