د. وحيد عبدالمجيد
أثار السيد عمرو موسى أزمة اللغة العربية فى حضور عدد من الكتاَّب والناشرين خلال نقاش جمعهم فى حفل استقبال أقامته إحدى دور النشر قبل أيام بمناسبة معرض القاهرة الدولى للكتاب.
ونبَّه موسى إلى أن الأزمة تتفاقم، وحمَّل الناشرين الذين يقبلون نشر كتابات باللغة العامية جزءاً مهماً من المسئولية، بينما رأى الأستاذ حمدى قنديل وآخرون أن الصحف تتحمل قسطاً أكبر من هذه المسئولية عندما تسمح بنشر مقالات باللغة العامية.
وكان رأيى هو أن هناك كُتاَّباً يقدرون على الكتابة باللغة العربية، ولكنهم يعجزون عن توصيل رسالتهم بها، فيستسهلون اللجوء إلى الكتابة بالعامية، أو يكتبون خليطاً منهما شديد التشوه. وكان هناك اتفاق على أن الكتابات التى تنضح بالإسفاف والكراهية والتحريض لا تقل خطراً حتى إذا كانت باللغة العربية.
وعدتُ بالذاكرة خلال هذا النقاش، واستحضرتُ كيف بدأ التنبيه إلى خطر تدهور اللغة العربية منذ عقود طويلة. وترحمتُ مجدداً على المفكر الكبير د. نبيل على الذى رحل عن عالمنا مؤخراً فى صمت، مثلما آثر أن يعيش بعيداً عن أى أضواء كما يفعل العلماء الكبار.
وكان الراحل الكبير هو أول من انتبه إلى خطر آخر يواجه اللغة العربية فى علاقتها بعصر المعرفة ومعطياته الجديدة، منذ أن نشر كتابه »العرب وعصر المعلومات« عام 1994. ولذلك قام بدور بارز فى تعريب نظم المعلومات الحديثة، ومعالجة اللغة العربية إلكترونياً.
وتذكرت بصفة خاصة كلمته العميقة فى ندوة لا تُنسى استضافتها مكتبة القاهرة فى منتصف التسعينيات، عندما تحدث عن الدور الذى تؤديه اللغة فى عصر المعلومات، والتحديات التى يفرضها عليها هذا العصر، وضرورة إصلاح التعليم الذى لا يُعلَّم أهم ما يتعلمه الإنسان فى هذا العصر، وهو أن يعرف كيف يُعلَّم نفسه.
فاللغة العربية هى إحدى ضحايا منظومة مجتمعية شاملة أصابها تدهور وتجريف متزايدان خلال العقود الأخيرة، مثلما هى ضحية نظام تعليم شديد التخلف فى مجمله، ويقوم على مفهوم قديم لتعليم اللغة يعزلها عن العلم والثقافة فى ظل سياسات عامة لا تعطيهما إلا اهتماماً شكلياً وتجعلهما »ديكوراً« لا يصلح لتزيين وضع قبيح.
والنتيجة هى ما نراه من اعتداء متزايد على لغتنا الجميلة، بل يجوز القول انه اعتداء علينا حيث تعود نون الجماعة هنا على الجماعة المصرية فى مجملها.