د. وحيد عبدالمجيد
من الطبيعى أن تحظى التشريعات الخاصة بالاستثمار بأولوية متقدمة فى عمل لجنة الإصلاح التشريعى، التى بدأت عملها مؤخراً بعد انشائها فى 15 يونيو الماضى فقد تراكمت عوامل التجريف التى تعرض لها الاقتصاد المصرى فى ظل سياسات سلطة رأس المال المتحالفة مع أصحاب الثروات، وأحدثت أثرها الأفدح فى ظل حالة الركود المترتبة على سوء إدارة شئون البلاد بعد ثورة 25 يناير.
غير أن هذا الركود ليس إلا عرضاً من أعراض مرض عُضال فى مفاصل الاقتصاد المصرى ينتج عن عوامل من أهمها المنهج الذى قامت عليه سياسة الاستثمار خلال العقود الأربعة الأخيرة. فثمة منهجان لتحفيز المسثتمرين وتشجيعهم، أولهما توفير تسهيلات وتقديم مزايا لا نهائية وصولاً إلى منح امتيازات، و الثانى محاصرة الفساد فى مؤسسات الدولة والمجتمع.
ولا تعارض بين المنهجين. ومع ذلك، ظل منهج تقديم التسهيلات هو السائد طول العقود الماضية، مما أدى إلى تعارض مع منهج محاصرة الفساد. فقد تحولت بعض تلك التسهيلات إلى امتيازات خطيرة خولف فيها القانون وتعرض المال العام عبرها لنهب غير مسبوق، سواء عبر بيع شركات ومؤسسات عامة من خلال عقود فاسدة أو بيع أراض عامة بأقل كثيراً من قيمتها الحقيقية مما أدى الى إقطاع عقارى أشد خطراً من الإقطاع الزراعى الذى واجهته ثورة 1952.
ولذلك لابد من التساؤل عن منهج لجنة الإصلاح التشريعى بشأن تشريعات الاستثمار، خاصة بعد أن استنفدنا منهج التسهيلات والحوافز والمزايا والامتيازات. فقد صارت مصر ضمن الفئة الأولى من دول العالم الأكثر توسعاً فى هذا المجال، وضمن الفئة الأخيرة من الدول الأقل اهتماماً بمواجهة الفساد.
فهل ستواصل لجنة الإصلاح التشريعى المنهج الذى أدى إلى استفحال مرض الاقتصاد المصرى، وهل ستجد المزيد من الامتيازات تمنحها لهذا أو تغدقها على ذاك، أم ستعمل بموجب منهج محاصرة الفساد0 فهذا المنهج أكثر فاعلية فى جذب المستثمرين الأكثر جدية الراغبين فى الاستثمار وليس فى السرقة أو النهب. ولا يخفى أن المستثمرين الجادين هم الأكثر فى العالم، فضلاً عن كونهم الأقنع لأى اقتصاد، بدليل أن حماية المال العام تعتبر من المقدسات فى الدول التى تحظى بأكبر قدر من الاستثمارات الأجنبية.
ولذا تُحسن اللجنة عملاً إذا اختصرت إجراءات إنشاء المشروع الاستثمارى بدون مزايا أو امتيازات جديدة، لأن هذا فى حد ذاته تسهيل أهم من أى امتياز، مع التركيز على سد الثغرات الواسعة التى ينفذ منها الفساد ويتوسع.