د. وحيد عبدالمجيد
العقل الخرافى قديم قدم الإنسان. والتفكير الخرافى هو أقدم أنماط التفكير. كان هذا النمط جزءاً من بدائية الإنسان فى فجر الحياة البشرية.
وقد تطور الإنسان وتخلص من كثير من مظاهر حياته البدائية، وأنار له العلم والمعرفة مناطق كانت مظلمة. ومع ذلك بقى للخرافة أثرها فى حياة الناس بالرغم من ثورة المعرفة التى دخلها العالم أخيراً. ولكن هذا الأثر يتفاوت من منطقة إلى أخرى فى العالم ومن مجتمع إلى آخر فى كل منطقة، ومن شخص إلى آخر فى كل مجتمع لأن الخرافة ترتبط غالباً بالتكوين الشخصى أكثر منه بالتمايز الاجتماعى أو الانتماء إلى فئة اجتماعية محددة.
وفى هذا العصر، عصر ثورة المعرفة، يعرف العالم العربى وإفريقيا جنوب الصحراء أعلى مستوى من الخرافة والتفكير الخرافى. ويتفوق المثقفون والساسة وغيرهم من النخب فى العالم العربى على أقرانهم فى أى منطقة أخرى، من حيث انتشار الخرافات السياسية فى أوساطهم، وولعهم بالتفسيرات الخرافية للأحداث والتطورات، وخصوصاً تلك التى ترى مؤامرة وراء معظم الأفعال والأحداث الداخلية والخارجية.
ولكن الخرافة لا تقتصر بطبيعة الحال على قطاع واسع فى النخب، بل تنتشر وتشيع فى أوساط الجمهور وعامة الناس.
ولا نكاد نجد فرقاً فى اتجاه التفكير الخرافى بين النخبة والعوام فى معظم الأحيان. ولكن من الطبيعى أن يكون التفكير التآمرى للنخبة أقدر على إنتاج صورا ذهنية أكثر كثافة وتفصيلاً مما يستطيعه العوام.
وهذا النمط من التفكير التآمرى ليس جديداً. رأينا فى مرحلة سابقة كيف حدث ربط غير مقبول بين أشياء لا يمكن أن يكون هناك ارتباط بينها. ومن ذلك مثلاً الموقف الذى شاع فى مرحلة سابقة فى قطاع واسع من الفكر العربى، وهو الربط بين الماركسية والصهيونية. فما دام مؤسس الماركسية يهودياً، ومادام كثير من اليهود يميلون إلى الصهيونية، إذن فالماركسيون صهاينة أو عملاء للصهيونية! ويتسم هذا الميل إلى التفسير التآمرى للسياسة بأنه وصل فى عصر ثورة المعرفة إلى مستوى لا سابق له فى تاريخ العرب الحديث. ويظهر ذلك مثلاً فى قدرة هائلة على رؤية مؤامرات فى أحداث تكاد تنطق بأنها نتيجة تطور طبيعى فى التفاعلات السياسية أو تغير مفهوم فى ميزان القوى أو نجاح طرف ما فى استثمار خطأ طرف آخر.