د. وحيد عبدالمجيد
كثيرة هى المصطلحات التى تُستخدم الآن دون معرفة معانيها المحددة بدقة، وخلفياتها والظروف التى ظهرت فيها، والدراسات التى أُجريت حولها. ويحدث ذلك فى مختلف المجالات نتيجة الاستخفاف بالمعرفة أو التلاعب بالمصطلحات. ويُضاف إلى هذا كله تداعيات تضييق المجال العام حين يتعلق الأمر بإساءة استخدام مصطلحات وتعبيرات سياسية، حيث تُخلط الأوراق بلا قواعد أو معايير موضوعية.
ومن أكثر المصطلحات السياسية التى يُساء استخدامها فى المرحلة الراهنة مصطلحا التحالف والائتلاف اللذان لم تعد لهما فى واقعنا الحالى صلة بأصل كل منهما سواء فى العلم أو فى العالم، أى على المستويين النظرى والتطبيقى.
وإذا عدنا إلى هذا الأصل، نجد أن مصطلح التحالف ليس مُحبذاً فى مجال العلاقة بين الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية، لأن المعنى المتضمن فيه يتم التعبير عنه بمصطلح آخر هو الجبهة. والقاسم المشترك الأساسى بين الجبهة (التحالف) والائتلاف هو اتفاق حزبين أو أكثر على العمل المشترك على أساس برنامج يتم التوصل إليه عبر التفاوض، ويتضمن ما يمكن الاتفاق عليه ويقبله الطرفان أو الأطراف. ولذلك يُطلق عليه برنامج حد أدنى، أى يتضمن ما لا يمك التنازل عنه.
أما الفرق الأساسى بينهما فهو فى طبيعة العلاقة بين عضويهما أو أعضائهما. فالجبهة تقوم على التزامات متبادلة أقوى وأعمق مما ينطوى عليه الائتلاف. ولذلك ارتبط تشكيل الجبهات من حيث القاعدة التى ترد عليها استثناءات قليلة، بوجود تقارب فكرى أو أيديولوجى أو مرجعى بين مكوناتها. والاستثناء الأساسى فى هذا المجال هو الجبهات الوطنية الواسعة فى مرحلة النضال الوطنى ضد الاستعمار.
أما الائتلاف فهو ممكن بين أحزاب وقوى ذات مرجعيات فكرية مختلفة، ولكن بشرط أن يكون بينها قدر معقول من التفاهم السياسى الذى يتيح وضع برنامج حد أدنى تلتزم به كلها.
ويمكن أن يحدث ذلك بين أحزاب تريد تحقيق أغلبية برلمانية لتشكيل حكومة يُطلق عليها فى هذه الحالة حكومة ائتلافية. كما يمكن أن يحدث بين أحزاب وقوى تسعى إلى دعم مركزها فى الساحة السياسية دون أن يرتبط ذلك بالسعى إلى تشكيل حكومة.
ولكن المهم أساساً هو أن تكون هذه الساحة مفتوحة، وليست مغلقة، وأن يكون للائتلاف برنامج سياسى يمثل الحد الأدنى الذى يمكن الاتفاق عليه، وأن يحدث ذلك بين أحزاب ينضم إلى ائتلافها أشخاص فى البرلمان أو خارجه، وليس العكس.