د. وحيد عبدالمجيد
ستظل ثورات الربيع العربى هى التطور الإيجابى الأكبر فى مسار المنطقة نحو العصر الحديث الذى لم يدخله أى من بلادها بشكل كامل حتى الآن،
وإن قطع بعضها أشواطاً أبعد من غيرها فى عملية الانتقال الصعب والمتعثر نحوه0 وهذا هو الجيل السادس من الثورات الشعبية التحررية فى العالم، منذ الثورة الأم فى فرنسا عام 1789 وارتداداتها فى أوروبا. والأرجح أن هذا الجيل لن يقتصر على الثورات التى اندلعت فى نهاية 2010 وأوائل 2011، بل سيشمل بلاداً أخرى فى المنطقة العربية أيضاً. كما أنه ليس محصوراً فى هذه المنطقة، إذا اعتبرنا انتفاضتى هونج كونج وبوركينا فاسو فى بداية ونهاية أكتوبر الماضى إرهاصاً بتوسع نطاقه على المستوى الدولى فى آسيا وأفريقيا.
وعلى مدى نحو أربع سنوات، تفرقت السبل ببلاد الربيع العربى فى أربعة مسارات. أولها تونس، التى تبدو هى الأكثر حيوية الآن بانتخاباتها الرئاسية التى أُجريت أمس الأول، بعد انتخابات برلمانية ناجحة فى 26 أكتوبر. وربما تكون هذه بداية مرحلة ثالثة فى ربيعها بعد مرحلة نجاح الثورة فى إسقاط رأس النظام الذى اندلعت ضده (مرحلة المد الثورى)، ومرحلة التعثر والفشل والانغماس فى صراعات كادت تجرف هذه الثورة (مرحلة الجزر الثورى).
ومضت مصر فى مسار ثان أهم سماته أنها غرقت مؤقتاً فى الصراعات التى نجحت تونس فى أن »تعوم عليها«، فتفاقمت هذه الصراعات على نحو يغرى القوى المضادة للثورة بالانقضاض عليها. ومازال الصراع بينها وبين قوى الثورة مستمراً، وموازياً للاستقطاب المدنى الدينى0 ولكنها ستتجاوز هذه الصراعات فى النهاية, وستمضى فى الطريق الذى تتفتح فيه زهور الربيع. ودخلت ليبيا واليمن فى مسار ثالث قاتم يرتبط الصراع السياسى - الأيديولوجى فيه بالتكوين التقليدى للمجتمع ، فى إطار حرب أهلية محدودة فى ليبيا وإرهاصات حرب مماثلة فى اليمن.
أما المسار الرابع والأكثر مأساوية فهو فى سوريا التى لم تدخل ثورتها المرحلة الأولى التى أُطيح فيها برأس النظام فى البلاد الأربعة الأخرى، بعد أن نجح هذا النظام فى تحويلها إلى حرب أهلية سعياً للاستمرار على دماء وأشلاء عشرات الآلاف من القتلى.
غير أن السنوات الأربع التى مضت ليست إلا بداية هذا الجيل من الثورات التى اختلفت مساراتها فى ظل تقلبات سريعة شهدتها، وفى إطار حالة احتقان تراكمت فى المنطقة برمتها. ومع ذلك، ستتفتح زهور الربيع فيها عبر مسارات صعبة وممتدة لفترات طويلة عبر خطوات إلى الأمام وأخرى إلى الوراء.