د. وحيد عبدالمجيد
يبدو الإرهاب هو الصناعة المزدهرة الوحيدة فى مصر الآن. مصانعها تعمل بلا توقف، لأن سياسة الدولة تشجعها دون قصد. فنحن ضحايا الإرهاب الذي نوفر هذه السياسة الظروف المناسبة له. وما قادة تنظيماته إلا مستهلكون لما تنتجه سياسة الدولة بعد استكماله أى إجراء »الفينيشنج« اللازم له.
ففى غياب سياسة متكاملة لمواجهة الإرهاب يبقى المجتمع حافلاً بالعوامل المغذية له. فالإرهاب هو فعل عنيف ينتج عن فكر متطرف. وما أكثرها العوامل المنتجة للتطرف فى مجتمع يزداد فيه الفقر والظلم والجهل، فضلاً عن الانغلاق العقلى. وليس كل تطرف منتجاً بالضرورة للإرهاب. غير أنه فى لحظات احتدام الأزمات، تزداد نسبة المتطرفين الذين يتجهون إلى الإرهاب.
وإذا كانت معالجة هذه البيئة المجتمعية الحاضنة لعوامل الإرهاب تتطلب سنوات، فلا يحتاج الأمر أكثر من أسابيع قليلة لإنهاء أحد مسبباته المباشرة وهو التوسع فى القبض على مشتبه بهم وابقائهم فى الحبس فترات طويلة قبل التأكد من برائتهم. فالمطلوب، والممكن تحقيقه فى أسابيع، هو إجراء فرز كامل للمحبوسين على ذمة قضايا شتى صارت تستعصى على الحصر، بعد أن بدأت السجون التى تضمهم فى التحول إلى مصانع جديدة للإرهاب.
وهذا هو الدرس الذى كان ينبغى أن نستخلصه من تجارب سابقة ثبت فيها أن التوسع فى احتجاز مشتبه بهم لفترة طويلة يفاقم خطر الإرهاب. وقد حدث ذلك بشكل متكرر منذ ستينات القرن الماضى. فالظلم الذى يترتب على احتجاز أبرياء لا علاقة لهم بالإرهاب قد يخلق هذه العلاقة حتى إذا لم يتعرضوا إلى تعذيب أو سوء معاملة، فما بالنا إذا تعرضوا لهما.
فهم يوضعون جنباً إلى جنب إرهابيين يستغلون آلامهم فيقتربون منهم ويسعون إلى تجنيدهم وحشو أدمغة عدد منهم بمخدر قاتل هو الموت فى سبيل الجهاد.
ولذلك تتحول السجون فى هذه الحالة إلى مصانع للإرهاب. فليست هناك علاقة طردية بين نجاح أجهزة الأمن فى إلقاء القبض على أعداد كبيرة من الناس خلال مواجهتها الإرهاب وإحراز تقدم فى هذه المواجهة. فالعلاقة بين كثرة عدد المحتجزين والنجاح فى مواجهة الإرهاب هى غالباً علاقة عكسية.