بقلم : مصطفى فحص
تتعامل التيارات السياسية الإيرانية مع الرئيس الإيراني الحالي الشيخ حسن روحاني باعتباره الوريث الشرعي للإرث السياسي للحالة التي كان يمثلها الرئيس الراحل الشيخ هاشمي رفسنجاني. ويظهر مدى تأثره بأستاذه الراحل رفسنجاني من خلال قدرته اللافتة على الإقامة الحذرة ولمدة طويلة في المنطقة الرمادية التي شكلتها تعقيدات التركيبة السياسية الإيرانية، والتي فرضت على كثير من الشخصيات السياسية الإيرانية المؤثرة، المواءمة بين خيار الثورة ومتطلبات الدولة.
ورغم ميله سابقا لجهة المحافظين، حيث ظهر ذلك في موقفه المتشدد من الاضطرابات الجامعية سنة 1999، فإن شخصيته السياسية لم تكن بمنأى عن التحولات الفكرية والثقافية والسياسية التي تبلورت داخل المجتمع الإيراني في السنوات الأخيرة، ما ساعده على الخروج التدريجي من المنطقة الرمادية والاقتراب من الإصلاحيين، ولكن بخطاب يعرف عن نفسه بالمعتدل. هذا الخروج مهد الطريق أمامه في الوصول إلى سدة الرئاسة، ولكن من خلال التحالف مع الإصلاحيين، الأمر الذي تسبب بزعزعة رصيده التاريخي داخل بعض مؤسسات النظام التي لم تقدر له الأدوار التي لعبها لصالح بلاده في أغلب المواقع التي تسلمها، منذ انتصار الثورة حتى انتخابه رئيسا للجمهورية.
منذ انخراطه في العمل الحكومي عرف عن روحاني براعته في تنفيذ المهام الحساسة التي أوكلت إليه. وقد ذاع صيته وسط النخبة السياسية الحاكمة في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، أثناء توليه منصب مستشار الحكمة للشؤون الخارجية، الأمر الذي فسح المجال أمامه للقيام بمهمات خطيرة وحساسة، أثرت لاحقا على مواقفه وطريقة مقاربته للقضايا الكبرى التي تمس جمهور النظام وأمنه القومي.
لم يتردد روحاني في أن يكون مهندس الاتصالات الأميركية - الإيرانية المبكرة التي حصلت سنة 1985 في مطار طهران، ويقال إنه اختار قالب حلوى على شكل مفتاح ووضعه على طاولة الضيف الأميركي، فقد مهد لقاء مطار طهران الطريق لعدة لقاءات هندسها روحاني، أدت إلى تزويد إيران بصواريخ أميركية نقلت من إسرائيل إلى إيران، فيما عرف لاحقا بفضيحة «إيران غيت».
واستمر حضور روحاني في مؤسسات السلطة، من خلال تعيينه سكرتيرا لمجلس الأمن القومي في عهد الرئيسين رفسنجاني وخاتمي. وقد أتاح له المنصب مزيدا من الاتصالات، وعقد كثير من الصفقات، حيث أشرف على المفاوضات السرية بين بلاده وواشنطن، والتي سبقت احتلال الولايات المتحدة أفغانستان والعراق، وما أشيع حينها عن خدمات قدمتها طهران لواشنطن في الحربين، وصولا إلى دوره في توقيع الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، والذي سمح برفع العقوبات عن إيران
وعليه، يملك روحاني كل مواصفات الرئيس القوي الذي باستطاعته إعادة الاعتبار لموقع رئيس الجمهورية وصلاحياته، وهو الأمر الذي يمس جوهر الدستور للجمهورية الإسلامية الإيرانية، الذي جعل مقام المرشد دستوريا مطلق الصلاحيات وفوق سقف القانون، في الوقت الذي تعبر فيه الأغلبية الإيرانية عن رغبتها في إعادة إحياء مكتسبات الثورة الدستورية سنة 1907، والتي أدت إلى وضع صلاحيات الشاه القاجاري مظفر الدين شاه وسلطاته تحت سقف القانون، والتي حاول الشاه رضا بهلوي تطبيقها أيضا عندما طرح فكرة تحويل إيران إلى جمهورية، متأثرا حينها بانقلاب مصطفى كمال أتاتورك على الموروث العثماني وتحويل تركيا إلى جمهورية، لكنه واجه معارضة شرسة من المؤسسة الدينية التي دفعت البرلمان الإيراني إلى رفض مشروع بهلوي في تحويل إيران إلى جمهورية دستورية.
فرصة روحاني في تحقيق ما فشل به رضا بهلوي سنة 1926 لو فاز بدورة رئاسية ثانية، ممكنة في حال غياب المرشد علي خامنئي عن المشهد السياسي، فوجوده في السلطة لحظة غياب خامنئي ستحوله إلى أحد أهم المشاركين في اختيار المرشد الجديد، إضافة إلى كونه أيضا أحد أبرز المرشحين، خصوصا إذا لم ينجح الطرف المتمسك بنظام ولاية الفقيه بشكله الحالي في تقديم مرشح مقنع يمكن له المنافسة، حيث لا يوجد في صفوفه أي شخصية تتمتع بالحد الأدنى من المواصفات التي تؤهله إلى شغل هذا المنصب، فالدستور الإيراني الذي وضع سنة 1980 كان على قياس مؤسس الجمهورية الإسلامية السيد الخميني، واستفاد منه السيد خامنئي باعتباره من الشخصيات التاريخية المؤسسة للجمهورية الإسلامية، ولم يعد ممكنا فرضه بصيغته الحالية على الإيرانيين، ما يهيئ الظروف أمام حسن روحاني إلى المطالبة بمزيد من الصلاحيات الدستورية.
مطالب ستكشف عن صعوبة التعايش مستقبلا بين موقع المرشد وموقع الرئيس، ما سيؤدي إلى طرح تعديلات جوهرية على بنية النظام، والتي من شأنها أن تعبد الطريق أمام الجمهورية الثانية.
المصدر : صحيفة الشرق الأوسط