بقلم : مصطفى فحص
لى رقعة الشطرنج السورية حركت واشنطن بيادقها٬ ففي خطوة لا تبدو وحيدة حتى الآن ولم تستغرق مدتها 30 دقيقة٬ تمكنت خلالها من قلب معادلة بذلت وأخيراً يوجهه يبدو كأنه الأخير٬ إنذاراً موسكو ومعها طهران منذ 6 سنوات مجهوداً حربياً وسياسياً من أجل فرضها٬ ونقلتهما من موقع الهجوم إلى الدفاع٬ موجهة لهما إنذاراً عادة لاعب الشطرنج عندما يقترب من حسم المباراة لصالحه٬ فيحذر خصمه أو منافسه بالقول: «كش ملك». فمنذ تاريخ 7 أبريل (نيسان) أصبحت موسكو وطهران مجبرتين على القيام بكل ما في وسعهما من أجل إزالة التهديد الجدي عن حجر الملك٬ حتى لا يخسرا المنافسة.
لم تغير صواريخ توماهوك الـ59 كثيراً من عقيدة واشنطن القتالية في سوريا٬ التي على الأرجح ستبقى في الوقت الراهن حذرة تتجنب الانغماس الميداني ميدانياً الواسع٬ على الرغم من جهوزية البنتاغون للقيام بضربات جديدة بحال اقتضت الحاجة لذلك٬ والحاجة لضربات جديدة لم تعد مقتصرة على استخدام السلاح الكيماوي فقط٬ بعدما أكد البيت الأبيض أن الرئيس ترمب أوضح أنه في حال استخدم النظام السوري السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة مرة أخرى٬ فإنه مستعد للتحرك مجدداً في سورية وهو منطق غاب طويلاً عن مواقف صناع القرار في واشنطن٬ بحيث يمكن اعتباره بداية لتحول جذري في العقيدة السياسية للولايات المتحدة بعد باراك أوباما.
وعليه٬ فإن رسائل التوماهوك السياسية وصلت مباشرة للروس الذين لم يعد بإمكانهم بعد اليوم فرض رؤيتهم للحل في سوريا٬ فإصرار الكرملين عشية انعقاد قمة الدول لن يساعد في الوصول إلى حل ينهي الملف السوري٬ لم يعد يلقى آذاناً الصناعية السبع في إيطاليا على اعتبار الحديث عن ضرورة رحيل بشار الأسد عن السلطة أمراً صاغية في الغرب٬ وهو ما يمكن اعتباره من علامات التراجع الروسي في سوريا٬ الذي سينعكس سلباً على دور موسكو ومكانتها على المستوى الدولي٬ فقد حاول الكرملين استخدام سوريا منصة للتأسيس لنظام عالمي جديد تعترف واشنطن بتعدد أقطابه تحت سقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي٬ الذي تستغله موسكو من خلال استراتيجياً من أجل تعطيل أغلب مشاريع القرارات الأممية التي كانت تدين امتلاكها حق النقض (الفيتو)٬ من أجل فرض إرادتها في القضايا الدولية٬ واستخدمته سلاحاً الأسد٬ وهو الورقة التي سحبت من يدها بعد أن قررت إدارة ترمب عدم انتظار تصويت مجلس الأمن على 3 مشاريع قرارات قدمت حول خان شيخون٬ وقامت باستخدام القوة دون الرجوع إلى الأمم المتحدة٬ في مشهد يعيد إلى أذهان الروس مرحلة التسعينات وبداية الألفية الثانية حينما مارست واشنطن أحادية قطبية٬ مكنتها من فرض أن تعيد واشنطن الاعتبار لقراءتها لمقررات في أوكرانيا٬ حيث لم يعد مستبعداً شروطها على المجتمع الدولي٬ وهو ما يمكن إعادة تكراره الآن في سوريا ولاحقاً
«جنيف1«٬ وتتجنب العمل بالقرار الأممي 2254 حول سوريا الذي تبنى حينها منطق موسكو للحل٬ هو ما يعتبر ضربة قاسية للدبلوماسية الروسية التي تراجعت أسهم لصالح واشنطن٬ بعد الترحيب الدولي والإقليمي بالضربة الأميركية للأسد من دول كانت حتى عشية الضربة تتماهى في مواقفها من الأزمة نفوذها العالمية سريعاً السورية ومستقبل الأسد مع موقف الكرملين.
في المقابل٬ تعلم طهران أنها المستهدف الأول عسكرياً وسياسياً من الصواريخ الأميركية٬ وأنها في ظل إدارة ترمب لا يمكن أن تحصل حتى ولو على جزء بسيط مما قد تحصل عليه موسكو في سوريا٬ حيث أجمعت كل الأطراف الدولية والإقليمية على ضرورة خروجها وميليشياتها من سوريا٬ وهي تفسر إصرار واشنطن على رفض وجود للأسد في مستقبل سوريا إلغاء كامل لنفوذها في هذا البلد٬ أما منع مشاركتها في الحرب على «داعش» إنهاء لكل الحجج التي ساقتها من أجل تبرير مشاركتها في الأزمة السورية٬ فيما يكمن قلقها الأكبر من أن تقبل موسكو التي هز التوماهوك هيبتها بالتسوية مع واشنطن على حساب تحالفها معها٬ وهي الخطوة التي تمهد لطردها من سوريا تحت ضغوط سياسية٬ ومن الممكن أن تكون عسكرية.
يستطيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاهل وجود صديقه وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في موسكو٬ ولكنه من المستحيل أن يستطيع تجاهل مواقفه التي سينقلها له وزير خارجيته سيرغي لافروف٬ وعلى الرغم من الليونة في تصريحاته التي سبقت وصوله٬ فإن تيلرسون يمثل الآن الجمهوريين المنتصرين في الحرب الباردة٬ ويعبر عن رؤيتهم لطبيعة العلاقة الجديدة مع موسكو٬ وهي رؤية مهما حاول تيلرسون تلطيفها٬ فإنها تحمل في طياتها التلويح بصواريخ «المنباد» والعقوبات الاقتصادية وسباق التسلح وتوسع «الناتو»٬ مما يجعل موسكو أكثر حرصاً على بيادقها وتحرك حجارتها لوقف تقدم الخصم٬ وتسخر كل خطواتها من أجل حماية ملكها للتعبير القوقازي على سوريا. أو مملوكها وفقاً للتعبير القوقازي على سوريا.
المصدر : صحيفة الشرق الأوسط