بقلم: مصطفى فحص
دقّت طهران طبول الحرب، وتوعد قادتها الأكراد في إيران والعراق بالويل والثبور، مطالبين إقليم كردستان - العراق الالتزام بتنفيذ تعهداته تجاه من وصفهم نائب قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي بـ«العناصر الإرهابية المسلحة». ففي خطاب ألقاه بمناسبة يوم القدس، هدّد الجنرال سلامي برد إيراني وصفه بـ«الوعد المدمر» و«دون أي اعتبارات»، إذا لم تتحرك عاصمة الإقليم (أربيل)، وتقوم بوضع حدّ للنشاطات العسكرية التي تقوم بها وحدات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في شمال غربي إيران انطلاقا من الأراضي العراقية.
اللافت في الإجراءات الإيرانية العسكرية والأمنية الأخيرة أن طهران تتصرف كأنها في حالة حرب مع أكرادها، فقامت بنشر تعزيزات عسكرية كبيرة في المناطق الشمالية الغربية في محافظتي أذربيجان الغربية وكردستان، كما دفعت بقوات عسكرية كبيرة إلى حدودها مع شمال العراق، وذلك بعد تصاعد لافت في حدة الاشتباكات بين القوات الإيرانية ومقاتلي المعارضة المسلحة الكردية بمختلف فصائلها، وهي تلوح بالقيام بعملية عسكرية واسعة ضدهم داخل إيران وفي المناطق العراقية المحاذية لحدودها، وعليه لم يعد مستبعدا أن يكون قرار القيادة الإيرانية تعيين الجنرال محمد باقري رئيسا لهيئة الأركان المشتركة، بديلا للجنرال فيروز أبادي، في هذه المرحلة هو مؤشر إلى اعتماد الحل الأمني في التعامل مع مسألة الأقليات، كون الجنرال باقري من كبار القيادات الأمنية الإيرانية، وهو المسؤول عن العمليات الأمنية والعسكرية التي نفذها الحرس الثوري في تسعينات القرن الماضي ضد الجماعات الانفصالية الكردية.
الارتباك الإيراني في التعامل مع الموضوع الكردي يعكس قلق طهران من التطورات الأخيرة في المنطقة، التي وضعتها لأول مرة في موقع دفاعي، وذلك بعد بروز ملاح انقلاب في التوازنات الاستراتيجية نتيجة المصالحة التركية الروسية، مصالحة ستعيد خلط الأوراق في المنطقة تدريجيا، بما يتعارض مع مصالح إيران الإقليمية في المرحلة المقبلة، فطهران التي عجزت عن أن تعيد سيطرة نظام الأسد على أكبر مساحة من سوريا، لجأت إلى خيار التقسيم بهدف إضعاف موقع الدول الإقليمية المؤثرة في الموضوع السوري، وخصوصا أنقرة التي تواجه خطر قيام كيان كردي سوري مستقل على حدودها، وتأثيره على أمنها القومي.
فمنذ الثورة السورية، رعت طهران ترتيب العلاقة بين نظام دمشق وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)، وهو فرع من حزب العمال الكردستاني (BKK) الذي استطاع أن يقنع فرعه الإيراني (PJAK) بهدنة مع حكومة طهران بعد انطلاق الثورة السورية، وهذا ما دفع أطرافا إقليمية أخرى إلى اللعب أيضًا على التناقضات الكردية، مما أدى إلى تقارب بين أنقرة وأربيل، وتطابق في وجهات النظر بينهما في كثير من الملفات الإقليمية في سوريا والعراق، وهو ما نبه أكراد إيران إلى أن الفرصة مواتية للاستفادة من هذه التناقضات الإقليمية، ودفع الأحزاب الكردية الإيرانية إلى العودة للعمل العسكري بوجه طهران تحت مظلة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وهو الحزب المؤسس للعمل السياسي الكردي، الذي نقل تجربته إلى العراق عبر الزعيم الراحل ملا مصطفى البرزاني، حيث أدى هذا الارتباط التاريخي بين الحزبين إلى وضع أربيل في تماس مباشر مع طهران.إيران التي انتبهت إلى أنها ليست بمنأى عن كرة النار الكردية، أعدت خطة استباقية تمنع قيام التواصل بين أكرادها وعمقهم العراقي، وذلك بإضعاف إقليم كردستان من خلال تقسيمه، ففي الأروقة الإيرانية والأميركية الأوبامية، يجري الترويج إلى فكرة عدم إمكانية التعايش بين أربيل والسليمانية، إضافة إلى صعوبة التوافق بين أربيل وبغداد، حيث يتم تداول مشروع تقسيم جديد للعراق بشكل عامودي، بحيث يتم فصل أربيل عن السليمانية، وضم الموصل وأجزاء واسعة من الأنبار إليها، إضافة إلى أجزاء كبيرة من دهوك، وتحويلها إلى إقليم سني «كردي عربي» له حدود مع تركيا وسوريا والأردن، بينما الجزء الثاني يضم السليمانية والمناطق الغربية من خانقين إلى ديالى، حيث يوجد الأكراد الفيلية، وهم أقلية شيعية، إضافة إلى كتلة عربية سنية وشيعية، يضاف إليهم كركوك، حيث الوجود السياسي الأقوى لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، ويتشكل هذا الإقليم من أغلبية كردية من الشمال حتى شمال غرب على طول الحدود مع إيران، ويتصل ببغداد عبر ديالى التي قامت بعض جماعات الحشد الشعبي بعملية تطهير مذهبي فيها.ويحرم هذا المشروع جزءا كبيرا من الأكراد والعرب في العراق حصتهم من الطاقة، فأغلب الثروات موجودة في المنطقة الغربية التي ستكون تحت الهيمنة الإيرانية، ما يحرم تركيا أيضًا من الاستفادة من ثروات كردستان، كما سيحدّ من سيطرتها على ممرات الطاقة والتحكم في إنتاجها وعبورها، أما سياسيا، فإن بعض الأحزاب السياسية الشيعية تراه حلا مناسبا للخلاص من استفزازات أربيل، وعقابا لها على دورها في استبعاد نوري المالكي من السلطة، وحمايتها لبعض الشخصيات السنية العراقية المعارضة لحكومة بغداد، فيما يبقى عامل الوقت وقرب خروج أوباما من البيت الأبيض العائق أمام طموحات إيران في فرض مشروع هيمنة جديد على العراق تحت غطاء الكونفدرالية، سيكون الأكراد أول ضحاياه، بعد أن دفع السنة ثمن البعث و«داعش»، وقضت الميليشيات الشيعية على فكرة قيام حكومة مركزية قوية في بغداد.