بقلم : مصطفى فحص
أثارت الأزمة السياسية بين «الحشد الشعبي» ومؤسسات الدولة العراقية التكهنات حول مستقبل الحكومة العراقية، باعتبار أن حكومة الدكتور عادل عبد المهدي جاءت نتيجة تسوية غير دستورية جرت بين أكبر كتلتين برلمانيتين: «سائرون» بزعامة السيد مقتدى الصدر، و«الفتح» بزعامة هادي العامري المدعومة من «الحشد الشعبي»، بعد جدل «برلماني - قضائي» حول تسمية «الكتلة الأكبر» التي يعود لها الحق دستورياً في تسمية رئيس الوزراء، حيث ذهب بعض الأطراف العراقية إلى اعتبار أن التسوية الإقليمية الدولية التي تحمي الحكومة باتت قرب نهايتها نتيجة تصاعد التوتر الإيراني - الأميركي في المنطقة، الذي انعكس مباشرة على علاقة «الحشد» بالحكومة ورفضه الالتزام بقراراتها، خصوصاً المتعلقة بكيفية الرد على الضربات الجوية لقواعده، لكن محاولات «الحشد» التمرد على مؤسسات الدولة سرعان ما تحولت إلى أزمة داخلية بين أقطابه، أظهرت عدم تماسكه وكشفت عن صراع تيارات أضعف موقفه أمام الأغلبية العراقية المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة والالتزام بالقرارات السيادية العراقية.
إلا إن هذه الأزمة وهذا الصراع بين أقطاب الحكومة أعطيا رئيسها هامش مناورة جديدة، يمكّنه من تحصين موقفه، وتحسين شروطه، بعد محاولات أطراف التسوية فرض أجندتها على عمل الحكومة؛ ففي مرحلة حرجة يرتفع فيها مستوى الانتقادات للحكومة وتزداد الدعوة إلى محاسبتها بعد نحو سنة على تشكيلها، يسجل عبد المهدي نقاطاً مهمة لصالحه، تخفف من حجم الضغوط عليه، وتعطيه فرصة قد لا تتكرر تساعده على إعادة ترتيب أولوياته، والمضي بخطوات أسرع نحو تحقيق بعض شعارات الإصلاح، واستقلاليةٍ، ولو محدودة، في اتخاذ القرارات، مستفيداً من مجموعة عوامل سياسية طفت فوق سطح التسوية... فرغم الانتقادات الحادة التي يتعرض لها أداء عبد المهدي الذي تعدّه أوساط معارضة مستقلة متردداً وضعيفاً، فإن أصواتاً مقابلة مستقلة أيضاً ولها ثقل في التمثيل وتُعبّر عن رأي شريحة واسعة من الشارع العراقي بكل فئاته وتلاوينه، تراهن على قدرته في توسيع هامش حركته وتحريرها من القيود الداخلية والإقليمية.
وفي هذا الصدد، كتب الناشط السياسي العراقي والكاتب الصحافي سرمد الطائي؛ المعروف بمعارضته الجريئة لمرحلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، في صفحته على «فيسبوك» أن «التيار المعتدل لا يريد إقالة عبد المهدي... بل بات ضرورياً تحرير رئيس الحكومة؛ وهو محارب إصلاحي مهم طوال سنوات... من قيود كبيرة ومضحكة يفرضها المتشددون داخل البرلمان وخارجه... القيود هذه على كل التيار المعتدل؛ لا على السيد عادل فقط».
تصنيف عبد المهدي بـ«المعتدل» من قبل شريحة مؤثرة من العراقيين يؤمّن له دعماً هو في أمسّ الحاجة إليه بعد مرحلة من التشكيك العام في قدرته على الاستمرار في موقعه، نتيجة خلافات أطراف التسوية التي لم يعد من الممكن ترميمها بعد المواقف الحادة التي اتخذها زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، خصوصاً آخر تغريدة له التي فُسرت بأنها إعلان عن نهاية حكومة عبد المهدي، إلا إن تصريح الشيخ صباح الساعدي رئيس «كتلة الإصلاح والإعمار» النيابية التابعة لـ«تحالف سائرون» (الذي يقوده الصدر) بعد زيارته هيئة أركان القوات الجوية العراقية، وضع تغريدة الصدر في سياق دعم مؤسسات الدولة، وليس كما فُسرت بأنها مواجهة ضد عبد المهدي، بعدما أكد أن موقف الصدر أفشل مخطط تشكيل موازٍ للقوة الجوية، وهو موقف يتقاطع مع موقف حكومة عبد المهدي التي ألغت قراراً صادراً عن «هيئة الحشد الشعبي» حول تشكيل قوة جوية؛ الأمر الذي يمكن تفسيره بأن الصدر؛ الشريك الأساسي في الحكومة لا يزال متمسكاً بها، بل إنه لم يتردد في تغطية قراراتها السيادية التي تتوافق مع مواقفه العامة، خصوصاً في تحجيم دور «الحشد الشعبي».
عملياً؛ يرتفع منسوب القلق العراقي على مستقبل الحكومة، ورداً على سؤال وجهته لأحد أقطاب التسوية الحكومية (طلب عدم الكشف عن هويته) حول مستقبل الحكومة، أجاب: «إن القلق الوحيد هو أن يقوم عبد المهدي بتقديم استقالته، وستكون استقالته سريعة إذا فشل في وضع العراق في مرحلة جديدة مختلفة عن السنين السابقة، وهو مشروع يواجَه من قِبل جهات داخلية وخارجية لها مصالحها الخاصة، ورغم التقدم البطيء للحكومة، فإنه لم يحدث تراجع في أغلب الملفات، خصوصاً الخارجية، وفي هذه المرحلة لا المجتمع ولا الأحزاب السياسية ولا النُخب مستعدة لأن تدخل في مرحلة فراغ سياسي قد تحدث نتيجة إسقاط الحكومة وصعوبة اختيار البديل».
فعلياً؛ يواجه عبد المهدي تحديات كبيرة، في مقدمتها معارضة فعلية يؤسس لها السيد عمار الحكيم، ومن المرجح أن ينضم إليها الدكتور حيدر العبادي، وصراع داخلي نتيجة التباعد بين «الفتح» و«سائرون»، ومخاطر إقليمية قد تطيح الاستقرار الهشّ الذي يتمتع به العراق حالياً، لكنه بات يمتلك الفرصة لانتزاع مزيد من حرية الحركة والإفلات من الضغوطات.