الصدر والحكيم والهوية المُركبة

الصدر والحكيم والهوية المُركبة

الصدر والحكيم والهوية المُركبة

 عمان اليوم -

الصدر والحكيم والهوية المُركبة

بقلم - مصطفى فحص

في كتابه «الفتنة» اتهم المفكر والكاتب العراقي المثير للجدل كنعان مكيّة النخب السياسية الشيعية التي حكمت العراق بعد 2003 بأنها عاشت في ذلك الوهم الذي أسماه «دولة الشيعة»، هذا الوهم في اختزال الهوية الوطنية أو التمسك بتعريف أحادي لها في مرحلة ما بعد صدام حسين لم يكن اتهاماً يحتاج إلى إثبات براءة أو إلى التبرؤ منه في تلك اللحظة التاريخية، بل كان عند البعض فعلاً مدروساً في حاضره وحتى مستقبله، وأما عند البعض الآخر فكان رد فعل يمتلك بعض المبررات لها علاقة بماضٍ بعيد وقريب وفي تكونات بالبنية الذاتية والمجتمعية لهذه الجماعة التي عانت كما عانت جماعات عراقية أخرى حرماناً واضطهاداً وإقصاءً. كما أنه نتيجة لجغرافيا وديموغرافيا معقدتين شكّلتا في آن واحد همزة وصل وأداة فصل مع جوار طامع وآخر حذر، كاد أن يحوّل هذه الأغلبية العراقية أقلية عربية؛ ما جعلها عرضة لخسارة مزدوجة، من جهة في دورها كأغلبية وطنية (أي الأخ الأكبر لباقي الجماعات)، ومن جهة أخرى في هويتها الأوسع المرتبطة بتراثها الاجتماعي والفكري والتاريخي والجغرافي والسياسي.

في التحولات العراقية خضعت التعريفات العقائدية والسياسية الهوياتية لتحولات كبيرة، جاءت بعد مخاضات وطنية كبيرة، وتجارب فرعية صادمة مرّت بها الجماعات الثلاث، «السنة» بعد أن سيطر «داعش» على جزء كبير من مناطقهم، و«الأكراد» بعد تداعيات الاستفتاء على الاستقلال وخسارة كركوك، و«الشيعة» بعد «انتفاضة تشرين» وفشل المشروع الإسلامي السياسي الشيعي المُسلح. إذ إن جزءاً من تداعيات «انتفاضة تشرين» دفع النخب والقوى السياسية الشيعية الحاكمة تحت ضغط الشارع، وليس بالضرورة عن قناعه، إلى إفساح المجال أمام القوى المدنية أو غير الحزبية في إدارة مرحلة انتقالية وفي التشكل كقوى سياسية ناشئة بهوية غير عقائدية. إلا أن بعضها ذهب أبعد من ذلك، حيث أعاد ترتيب بنيته التنظيمية والشعبية والفكرية وصولاً إلى الهوياتية انسجاماً مع المتحول الكبير الذي جرى في 2019، أي في الفضاء العام لـ«انتفاضة تشرين»، خصوصاً الشيعي، والمقصود هنا تيارا الصدر والحكيم.

مرّ التياران «الحكمة» بزعامة السيد عمار الحكيم، و«الصدري» بزعامة السيد مقتدى الصدر بتحولات كبيرة؛ فالأول في نسخته الحالية بعد انفصالات عدة تبلورت هويته الخاصة والعامة نتيجة قرارات شجاعة اتخذها زعيمه على مراحل وصولاً إلى رؤيته الأخيرة ببعدها الهوياتي، حيث تحدث الحكيم في كلام له في فبراير (شباط) 2023 أمام نخب شيعية عراقية وعالمية عن الخصوصية الشيعية الوطنية في كل بلادهم، أي الانتماء إلى البلد الذي يعيشون فيه والاندماج فيه إلى جانب باقي الانتماءات والتوجهات الفكرية والعقائدية فيه، ولكنه ذهب إلى أبعد من ذلك في كلامه عن الخصوصية العراقية حين لفت إلى أنه «لا يمكن أن يكون شيعياً عراقياً وفي الوقت ذاته ينتمي إلى وطن آخر بسماتٍ وخصائص مختلفة أو يُطبق قوانين دولة أخرى أو يستورد ثقافة مختلفة لمجتمعه خلافاً لرغبتهم».

أما التيار الصدري صاحب التمثيل الأوسع على المستوى الشيعي، ففي إرهاصات عودته إلى العمل السياسي وإعادة بناء تحالفاته المشروعة بالوصول إلى حكم الأغلبية بوجه حكم «التوافقية»، فقد كشف زعيمه السيد الصدر في رسائله الأخيرة لمؤيديه ولحلفائه عن المضمون السياسي لحركاته المقبلة تحت عنوان «التيار الوطني الشيعي» وهي خطوة جريئة في إعادة ترتيب هوية تياره عندما قدم الهوية الوطنية على الهوية العقائدية في الترتيب، هذه الخطوة ليست وليدة ساعة العودة، بل هي نتاج سنوات من التجربة مرّ بها تياره، حيث أتاحت له انشقاقات عدة في صفوفه إلى التخلص من مراكز قوى راديكالية في داخله أتاحت له مرونة أكبر في فهم الآخرين المختلفين؛ وهذا ما سيساعد على عودة الانسجام ما بين التيار وقوى سياسية شيعية مدنية وعلمانية تتقاطع مع الصدر على المشروع الوطني.

عملياً، يتبنى السيدان، الصدر والحكيم، الهوية المُركبة أي «أنا عراقي عربي مسلم شيعي»، والأخيرة أي «الشيعية» هوية فقهية روحية وليست آيديولوجية عامة، وتحتاج إلى الأولى، أي «العراق» للحفاظ عليها، وهذا عمل الدولة الضامنة لخصوصيات الهوية الوطنية كافة. وهذا ما ترعاه المرجعية النجفية التي تنحاز فقهياً إلى ولاية الأمة على نفسها فقط؛ ما يعني أن السيّدين في بعدهما النجفي كونهما أولاد أُسر دينية عريقة، وفي بعدهما السياسي والشعبي قاما بخطوات استباقية جريئة جداً لها مدلولات داخلية وطنية شيعية، ومتصلة بالخارج الشيعي العام، تحمل إشارات واضحة في الاستعداد إلى مرحلة ما بعد (السيستاني وخامنئي) وفي عمقها التنافس ما بين طهران والنجف وهوية المرجع الأعلى المُقبل.

omantoday

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

هوامش قمة البحرين

GMT 08:30 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 08:29 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 08:28 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصدر والحكيم والهوية المُركبة الصدر والحكيم والهوية المُركبة



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 20:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F
 عمان اليوم - علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 14:38 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab