مصطفى فحص
وضعت الحكومة الإيرانية ميزانيتها للسنة الشمسية الجديدة، التي تبدأ من مارس (آذار) 2015 إلى مارس 2016، والتي تبلغ 8400 تريليون ريال إيراني أي ما يعادل 300 مليار دولار، وفقا للسعر الرسمي لصرف الدولار مقابل الريال، الذي حددته الحكومة بـ28 ألف ريال مقابل الدولار الواحد. وقد اعتمد الرئيس روحاني في الميزانية التي قدمها لمجلس الشورى (البرلمان) سعر 72 دولارا لبرميل النفط، الذي تشكل عائداته الجزء الأساسي والأكبر للخزينة الإيرانية، كما لحظت الميزانية زيادة في الإنفاق العسكري بنسبة 33 في المائة، أي ما يعادل 10.5 مليار دولار من حجم الميزانية العامة.
في المقابل، لم تلحظ الحكومة أن تحديد سقف 72 دولارا لبرميل النفط في الميزانية، لا يتناسب مع المؤشرات الاقتصادية العالمية، التي تتوقع أن يلامس سعر البرميل في الأسواق العالمية في القريب العاجل 60 دولارا، فيما رجحت مؤسسات اقتصادية عالمية أخرى، أن ينخفض سعر برميل النفط إلى مستويات كارثية خلال العام المقبل، وقد يصل إلى 50 دولارا للبرميل، ومن جهة أخرى، فإن سعر الصرف الرسمي للعملة الإيرانية، الذي حددته الحكومة بـ28 ألف ريال، لا يتناسب مع سعر الصرف في السوق السوداء، الذي تتداوله في حدود 35 ألف ريال للدولار الواحد.
كذلك تستمر العقوبات الدولية على الاقتصاد الإيراني في تضييق الخناق على النظام الإيراني وتستنزفه داخليا، ويستمر النظام الإيراني في الإنفاق الهائل على مشاريعه التوسعية الخارجية وتحصين نفوذه ويدير أكثر من جبهة مفتوحة تستنزف جزءا كبيرا من المقدرات الإيرانية.
ففي سوريا يستمر الإنفاق الإيراني غير المحدود، من أجل مساعدة نظام بشار الأسد على الصمود عسكريا واقتصاديا، بحيث كلفت السنوات الأولى للنزاع السوري إيران قرابة 23 مليار دولار، بينما تتوقع مصادر غربية أن نظام دمشق بحاجة إلى ملياري دولار شهريا، في الفترة الأخيرة، يحصل على معظمها من طهران. وفي لبنان فإن تكلفة تدخل حزب الله في سوريا وضرورات الإنفاق الحزبي على الداخل اللبناني أدت إلى زيادة ميزانيته السنوية أضعاف ما كانت عليه من قبل. وفي العراق ترك حليف طهران رئيس الوزراء السابق نوري المالكي خزينة فارغة لا يتجاوز ما فيها 3.6 مليار دولار، بعد أن قام بمساعدة طهران في الإنفاق على الحرب السورية وتمويل الميليشيات العراقية التي تحارب هناك، وتعويض النقص في العملة الصعبة في إيران عبر البنوك العراقية التي واجهت أزمة سيولة حادة. وفي اليمن الذي يقترب من الإفلاس تضاعفت مسؤولية طهران تجاه جماعة الحوثي، التي تحاول السيطرة عسكريا وسياسيا على اليمن، إضافة إلى دعمها لجهات داخل الحراك الجنوبي، وأصبحت مطالبة بتعويض ما كانت تقدمه دول الخليج من مساعدة اقتصادية لليمن.
في كتابه «عن الحرب» يقول المؤرخ العسكري والاستراتيجي الألماني كارل فون كلاوزفيتس إن الحرب هي امتداد للسياسات، ولكن بوسائل أخرى، وإن الجيوش تزحف على بطونها. وبعبارة أخرى أي أن الاقتصاد القوي والقدرة على الإنفاق هما عمود الطموحات الإمبراطورية وتوسع النفوذ، لأن الجيوش الإمبراطورية لا تزحف على بطونها الخاوية، وهذا ما لم يعد بمقدور طهران أن تفعله، بسبب استنزافها على جميع الجبهات، وما تنفقه على اندفاعاتها وتمددها لم يعد ينعكس كعائد استراتيجي يرضي طموحاتها، إضافة إلى أن مشروعها النووي الذي شكل باب هذه الطموحات الإمبراطورية، الذي أنفقت عليه قرابة 160 مليار دولار، هو الآن على طاولة التنازلات والتسويات، وأصبحت تكلفة حمايته السياسية والاقتصادية أكبر من تكلفة امتلاكه، ففي معركة عض الأصابع، هناك من يصرخ أولا، ولعل الصرخة الإيرانية في الداخل هي التي ستدوي قبلا، ما لم تغير طهران سلوكها. ولكم في السوفيات أسوة حسنة!