مصطفى فحص
مررت طهران في الأيام الأخيرة أكثر من إشارة سياسية، عن إمكانية تخليها عن ترشيح رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي لولاية ثالثة، ولكن الرسائل الأوضح، حسبما ينقله مراقبون للوضع العراقي، ما جرى تسريبه إلى وسائل الإعلام عن اجتماعات جرت أخيرا بين قيادات ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه المالكي، بأن كتلتي «بدر»، بزعامة هادي العامري، و«مستقلون»، بزعامة حسين الشهرستاني (يملكان 55 مقعدا من أصل 93 لدولة القانون في البرلمان العراقي)، على استعداد للقبول بمرشح غير المالكي من دولة القانون، من أجل الحفاظ على وحدة التحالف الوطني، وعدم التفريط فيه وبأطرافه، ولكن بشرط الاتفاق بين جميع الكتل على الذهاب بمرشح واحد إلى البرلمان.
تلميحات هادي العامري وحسين الشهرستاني، وهما الحليفان الأبرز لطهران، داخل ائتلاف دولة القانون بالانسحاب من الائتلاف، بمثابة الضربة القاسية لنوري المالكي، الذي يسعى، عبر الضغط على المحكمة الاتحادية، لكي يثبت أنه يمثل الكتلة الأكبر، ويحق له الترشح دستوريا لولاية ثالثة، ويجعلهما من جهة ثانية لاعبين مستقويين بإيران ضمن مكونات التحالف الوطني، في تسمية رئيس الوزراء، حسب رغبة طهران.
فمنـذ شهرين، فشلت طهران في الالتفاف على المطالب التي أجمع عليها أغلب المكونات السياسية العراقية، التي طالبتها بالتخلي عن ترشيح نوري المالكي لولاية ثالثة، إضافة لمطالب المرجعية الدينية في النجف بضرورة التغيير وتشكيل حكومة وفاق وطني شامل، والأصوات التي أتت من داخل البيت الشيعي، جاهرت برفضها لرغبة طهران باستمرار المالكي في منصبه، بحيث وصلت التلميحات إلى خروج بعض الكتل من التحالف الوطني إذا أصرت طهران على التمسك بالمالكي، مما قد يؤدي إلى انفراط عقد أكبر تكتل شيعي داخل البرلمان العراقي، وتحوله إلى عدة كتل برلمانية، مما يؤثر على وحدة القرار السياسي الشيعي ويضعفه، ويجعله مرهونا بصراعات الكتل السياسية الأخرى ونظام مصالحها، ويؤدي طبعا إلى إرباك الموقف الإيراني، ويضعف سطوته على القرار الشيعي العراقي.
في هذه المرحلة، وبالنسبة إلى طهران، فإن وصول شخصية عراقية تحافظ قدر الإمكان على ما كان عليه الوضع في زمن المالكي، وتبقي على النفوذ الإيراني في العراق بالزخم والقوة نفسهما، وتمنع خروج بغداد عن المسار الإيراني المرسوم لها في هذه المرحلة، أفضل وأسهل من انقسام التحالف الوطني، أو الذهاب إلى البرلمان بأكثر من مرشح يصبح وصوله مرهونا بالتفاهمات التي سيقدمها للكتل الأخرى، والمتصلة بحسابات إقليمية ودولية.
تمانع طهران في ترك الفرصة لبعض مكونات التحالف الوطني، وخصوصا كتلتي المجلس الأعلى العراقي والتيار الصدري، في تقديم مرشحين عنهما لرئاسة الوزراء، حتى لو اتفقا على مرشح واحد، وهي بذلك تعيق إمكانية إنتاج طبقة سياسية شيعية عراقية ذات طابع استقلالي، مدعومة من البرجوازية الوطنية الشيعية التاريخية، والطبقة المتوسطة التي غالبا ما تحرص في حياتها السياسية اليومية، على الانسجام مع النجف، وكما تحرص المرجعية في النجف على احترام تطلعاتها، وهذا ما تتحسس منه طهران، وإن أظهرت العكس؛ تفضل إبقاء زمام الأمور ضمن إطار حزبي شيعي ممسوك به، وليس بالضرورة أن يتمتع بتمثيل شعبي قوي، وليس حريصا على الانسجام مع المرجعية في النجف.