علي صالح وعون الحوثيون و«حزب الله»

علي صالح وعون... الحوثيون و«حزب الله»

علي صالح وعون... الحوثيون و«حزب الله»

 عمان اليوم -

علي صالح وعون الحوثيون و«حزب الله»

بقلم - خالد الدخيل

هناك فروق كثيرة بين اليمن ولبنان.الأول ينتمي لفضاء الجزيرة العربية، والثاني لفضاء الشام. وقد ترتب على هذا مسيرة تاريخية أفضت إلى أن صارت الطائفية صبغة البنية الاجتماعية والسياسية في لبنان، والقبيلة هي الصبغة ذاتها في اليمن. لكن هناك مشتركات بينهما، خصوصاً في المرحلة الحالية بسماتها العربية. في هذا الإطار برزت في كل من اليمن ولبنان نماذج سياسية ليست متماثلة، لكنها متشابهة في منطلقاتها وأدوارها وأهدافها السياسية.

هناك مثلاً نموذج الرئيس اليمني السابق الفريق علي عبدالله صالح، يقابله ويشابهه في لبنان صورة الرئيس الجنرال ميشال عون. وعلى علاقة بكل منهما هناك نموذج حزب الله، وجماعة أنصار الله اليمنية. كلمة الله هي المشترك الأول بين اسمي هذين التنظيمين، وإيران هي المشترك الآخر، والمرجعية السياسية لكل منهما. إيران أيضاً باتت مشتركاً آخر بين عون وصالح. كلاهما ليسا حليفين لطهران. لكن المطاف السياسي لكل منهما انتهى به بأن أصبح حليف الضرورة لحليف طهران: الحوثي في حالة صالح، وحزب الله في حالة عون، مع ملاحظة اختلافات معتبرة بينهما.

ولهذا المطاف ونهايته علاقة مباشرة بالفلسفة السياسية لكل من صالح وعون. علي صالح مثلاً ليس طائفياً. بل يمكن القول أنه ليس قبلياً أيضاً. يعلل البعض ذلك بضعف الفرع القبلي الذي ينتمي إليه في قبيلة حاشد. يتمتع بذكاء حاد، لكنه يتمتع في الآن ذاته بشهية حادة للسلطة. يبدو أن الأخيرة حيدت مفعول الأولى. يحسب للرجل عصاميته التي أوصلته بأن أصبح ظاهرة سياسية يمنية. هو ينتمي لإرث ثورة 26 سبتمبر 1961 التي أسقطت النظام الإمامي في اليمن. وهو النظام الذي يحاول الحوثيون الآن إعادة إحيائه من جديد بدعم من إيران وحزب الله. المربك أن علي صالح يتحالف معهم على رغم معرفته بذلك، وأن ما يسعون إليه يشكل تهديداً خطيراً للجمهورية اليمنية التي يؤمن بها، بل وتهديداً له هو ومؤتمره الشعبي أيضاً. لكن ميكيافيلية صالح السياسية تصل به إلى حدود جنون الانتهازية. وصل للرئاسة في سن مبكرة بدعم سعودي، وبقي فيها أكثر من 33 سنة. كان يمكن أن يشكل هذا الإرث تحصيناً أخلاقياً وسياسياً له. لكن هذا لم يحصل. ومع ذلك يتمتع بدعم شعبي كبير كما ظهر الأسبوع الماضي في احتفال المؤتمر الشعبي العام بمرور 35 سنة على تأسيسه. كيف حصل مثل هذا؟ الأرجح أنه تعبير لرفض خصوم صالح أكثر منه قبولاً به وقناعة بخياراته.

لا يرى علي صالح إشكالية في الأمر أنه خاض ستة حروب ضد الحوثيين عندما كان رئيساً لليمن، ويتحالف معهم الآن وهو خارج الرئاسة، ضد من كانوا شركاؤه في الحكم، وضد السعودية التي كان يتظاهر بالتحالف معها. موقف صالح هذا، والموقف الشعبي منه يمثلان معاً أبرز سمات المرحلة السياسية في العالم العربي حالياً. وهو ما يعبر في شكل مؤلم أحياناً عن الفراغ السياسي والأيديولوجي الذي تعاني منه المنطقة.

تتأكد الصورة نفسها في نموذج عون اللبناني. حيث يحيط بموقف الجنرال من مسألة الاستقلال والطائفية شيء من اللبس. وهو لبس يسمح بحرية واسعة للتنقل سياسياً عبر حدود الأيديولوجيا وإكراهات الاستقلال والوطنية. حارب عون السوريين من أجل استقلال وسيادة لبنان. يقول أنه ضد الطائفية، ومع علمنة النظام السياسي اللبناني. لكنه يستند شعبياً إلى قاعدته المارونية، وينسج تحالفاته داخل لعبة التوازنات الطائفية التي يشتهر بها لبنان. وإذا كان علي صالح اشتهر بهوس التمسك بالسلطة أملاً بعودته إلى دار الرئاسة في صنعاء، فإن عون يكاد يشترك معه في كل تفاصيل هذا الهوس، وإن من موقع مختلف. كان الوصول إلى قصر بعبدا هو الهاجس الأول والأهم بالنسبة للجنرال. كان مستعداً لتحقيق هذه الأمنية العمل تحت غطاء أي تحالف بغض النظر عن هويته الأيديولوجية والهدف السياسي الذي يسعى إليه. حاول في البداية، بعد عودته من منفاه عام 2005، مع تيار المستقبل، وكان هو من وضع اللبنة الأولى لـ14 آذار. لكن تبين له أن هذا التحالف عدا عن أنه لا يسلم له مسبقاً بحق الوصول للرئاسة، إلا أنه ليس بالقوة والتماسك التي تسمح له بتحقيق هذا الهدف في كل الأحوال. كان حزب الله ولا يزال، خصم المستقبل و14 آذار. وكان يتمتع بترسانة السلاح والدعم الإيراني. لكن ينقصه الغطاء المسيحي لدوره الذي هو في الأصل غطاء لدور إيران في لبنان وسورية. لا يبدو أن هناك مفارقة في أن طموحات الجنرال (الاستقلالي بنفحة علمانية) التقت مع حاجة الحزب الإلهي بمرجعيته الثيوقراطية خارج لبنان.

المفارقة هي أن تيار المستقبل هو من اضطر أخيراً لترشيح عون للرئاسة بعدما كان يمانع ويقاوم ذلك. أي أن المستقبل اضطر لتحقيق أمنية الجنرال، وتحقيق حاجة الحزب المتهم باغتيال رفيق الحريري.

في سياق التشابه بينهما يختلف علي صالح عن ميشال عون في أمر مهم، وهو أنه لم يقع في براثن الاعتماد على إيران، حتى الآن، كما حصل في حالة الجنرال.

بقي تحالفه مع الحوثيين هشاً تحوم حوله شكوك أطرافه من كل صوب. هو تحالف، أو قل تعاون الظرف والضرورة. كل منهما يحاول استخدام الطرف الآخر لهدف يرفضه هذا الطرف تماماً. الحوثيون لا يثقون في صالح. على الجانب الآخر لا يسمح الوضع السياسي لصالح وقاعدته الاجتماعية بالذهاب بعيداً والتحالف مع إيران. جل ما يسمح به حتى الآن هو هامش التعاون والتنسيق العسكري مع الحوثيين، لكن من دون تنسيق سياسي معتبر. كل منهما يقاتل لهدف مختلف عن الآخر. الحوثيون يحلمون بإعادة الإمامة، وإدخال النفوذ الإيراني إلى الجزيرة العربية ظناً منهم أنه سيكون مظلة حماية لها. علي صالح يقاتل للانتقام من خصومه الذين عملوا على إسقاطه بعد الثورة عليه في شباط (فبراير) 2011، والتمهيد لوصول ابنه أحمد علي صالح إلى سدة الرئاسة. ليس هناك ما يشير إلى أي تغيير في هذا الوضع. بقدر ما أن الحوثيين لا يثقون بصالح، هو لا يثق بهم ومن ورائهم الإيرانيين.

ما الذي تقوله هذه المقارنة عن الحرب؟ المستقبل السياسي للبنان وعلاقته بالحالة السورية؟ السؤال الذي يهم السعوديين أكثر من غيره ما الذي تقوله عن إمكانية الحل السياسي في اليمن ووقف نزيف الحرب؟ طبيعة العلاقة الهشة بين علي صالح والحوثيين تغري بإمكانية توسيع الشرخ بينهما، وذلك بانفتاح السعودية والتحالف على صالح. ستحرم هذه الخطوة الحوثيين من مصدر دعم كبير، وتتسبب بعزلهم وإلحاق هزيمة عسكرية وسياسية بهم تمهد لإنهاء الحرب وإدخال اليمن مرحلة سياسية تختلف عن التي انتهت إليها الثورة. ربما أن الإمارات ترى شيئاً من هذا، خصوصاً أنها تسمح لأحمد علي صالح بالإقامة لديها. لكن التدقيق في تفاصيل هذا الخيار يطرح أسئلة عدة. ما هو المستقبل الذي يتطلع إليه علي صالح؟ وما هو الثمن الذي ينتظره؟ أين سيكون موقع القوى الأخرى في هذه الحالة مثل الاشتراكيين وجماعة الإصلاح وغيرهم؟ والأهم من كل ذلك أن مثل هذا الخيار يتطلب قراراً من مجلس الأمن الدولي، لأن علي صالح من ضمن الأشخاص الذين شملهم قرار المجلس بالحظر والعقوبات. هل قيد التحالف نفسه بإدراج اسم علي صالح في القرار؟

omantoday

GMT 14:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 14:28 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 14:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 14:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 14:25 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 14:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 14:22 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 14:21 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علي صالح وعون الحوثيون و«حزب الله» علي صالح وعون الحوثيون و«حزب الله»



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - عمان اليوم

GMT 13:56 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 09:01 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 أكتوبر / تشرين الأول لبرج الاسد

GMT 21:16 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab