اليسار الفرنسي وحقيقة النموذج الإسباني

اليسار الفرنسي وحقيقة النموذج الإسباني

اليسار الفرنسي وحقيقة النموذج الإسباني

 عمان اليوم -

اليسار الفرنسي وحقيقة النموذج الإسباني

بقلم: لحسن حداد

يتضمن برنامج اليسار الفرنسي المُوحَّد تحت راية «الجبهة الشعبية الجديدة» إجراءات تقتضي التضريب التصاعدي على الدخل، وسن ضريبة على شكل مساهمة اجتماعية عامة، وإرجاع الفرض التدريجي للضريبة التضامنية على الثروة. من جانب آخر، ينوي تحالف اليسار الرفع من الحد الأدنى للأجور والتراجع عن الرفع من سن التقاعد؛ هذا بالإضافة إلى تحقيق التحول الإيكولوجي وإطلاق العنان لتنافسية المقاولة عبر تحسين عوامل الإنتاج والتغلب على العراقيل التي تعيقه (مجلة «الاقتصاد والسياسة»، مجلة ماركسية، 18 يونيو/حزيران، 2024).

وتعْتبِرُ قوى اليسار أن النموذج الذي يجب أن يُحْتَذى في هذا الإطار هو النموذج الإسباني، حيث إن إسبانيا بقيادة بيدرو سانشيز استطاعت أن تحقق ما لم تحققه دول أخرى في أوروبا من حيث النمو وخلق فرص الشغل والحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية.

وصحيح أن مؤشر «إيبكس» في إسبانيا عرف أكبر ارتفاع له منذ 2017، وعرف قطاع السكن انتعاشاً ملحوظاً (زائد 4.2 في المائة سنة 2024)، وحققت إسبانيا إحدى أكبر النسب لخلق مناصب شغل جديدة على المستوى الأوروبي، وارتفع الطلب الداخلي على السلع بحوالي 2 في المائة في بداية 2024 (بيدرو سينغاري: «يورو نيوز»، 29 مارس/آذار، 2024)، كما استمرت السياحة في النمو كقطاع رائد في خلق الثروة والشغل.

وصحيح كذلك أن ما قامت به حكومة سانشيز، من وضع سقف للشغل غير القار، والرفع من الحد الأدنى للأجور، ورفع ضرائب المقاولات الكبرى والدخول المرتفعة، ساهم في جعل الاقتصاد الإسباني يحقق أكبر نسبة نمو في منطقة الأور، حيث تم رفع التوقعات من طرف الحكومة إلى 2.4 في المائة في 2024 مقابل معدل 1 في المائة في الدول الأوروبية الأخرى (فيليب روبير، لوبوان، 1 أغسطس/ آب، 2024).

غير أن الأمر ليس بالسهولة، كما يتصور اليسار الفرنسي (فيليب روبير). أولاً، الإصلاحات التي قامت بها حكومة ماريانو راخوي في إسبانيا ما بين 2011 و2018 وفي عز الأزمة المالية والاقتصادية وارتفاع البطالة إلى 25 في المائة، والتي همَّت إصلاح سوق الشغل، وسنَّ سياسة تقشفية للتحكم في المؤشرات الماكرو اقتصادية، وإعادة هيكلة النظام المصرفي عبر تدخل الدولة لتأميم البنوك المفلِسة، والرفع من سن التقاعد... إلخ كلها عبَّدت الطريق لاستفادة إسبانيا من الدعم الأوروبي، ووضعت إطاراً مناسباً لخلق مناخ أعمال جاذب للاستثمارات.

الإصلاحات التي قام بها سانشيز بعد 2018 خصوصاً الحد من هشاشة سوق الشغل والرفع من الضرائب على الدخول الكبرى لتمويل المبادرات الاجتماعية، ودعم قطاع السياحة بعد «كوفيد»، خصوصاً في ظل توفر إسبانيا على نظام قوي وفعال للحماية الاجتماعية (فيليب روبير)، وارتفاع الطلب على المنتوج الإسباني، والاستمرار في التحكم في التوازنات الماكرو اقتصادية مما سهل من عملية تلقي الدعم الأوروبي، جعل الاقتصاد الإسباني يحقق نجاحات كبرى في 2023 من المتوقع أن تستمر إلى 2025.

كل هذا غير متوفر في فرنسا. أولاً، تم تسييس إصلاح أنظمة التقاعد إلى درجة أصبح الكل على اليسار وعلى أقصى اليمين يطالب بالتراجع عن رفع سن التقاعد دون دراسة حقيقية لأثر ذلك على المالية العمومية. هذا في وقت ما زال عجز المالية العمومية يفوق 5 في المائة رغم تحذيرات بروكسل، وما زالت المديونية تناهز 112 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وما زالت البطالة مرتفعةً رغم الخصاص المهول في العمالة في بعض القطاعات. تعثر معدل النمو، ووجود سوق عمل متشدد، واستمرار التدني في القدرة على الإنتاج والتنافسية، لم تزد الطين إلا بلة.

كل هذا يقتضي إصلاحات هيكلية جريئة تتطلب الجرأة السياسية للقيام بها. الرفع من الحد الأدنى للأجور وتضريب الأجور العليا وتثبيت الأسعار قد لا يعطي نتائج مثلما حصل في إسبانيا، لأن هذه الأخيرة رفعت سن التقاعد إلى 67، وخفَّضت عجز المالية العمومية إلى ما يقارب 3 في المائة، وخفَّضت نسبياً ثقل الدَّيْن العمومي. كما أن الحكومة الإسبانية أصلحت سوق الشغل، مما أدى إلى انخفاض البطالة إلى حدود 11 في المائة بعدما كانت جد مرتفعة قبل سنوات، ورفعت من نسبة الطلب على المنتوج الإسباني سواء.

نعم الاقتصاد الفرنسي له مقومات وقوة وصلابة قد لا يتوفر عليها الاقتصاد الإسباني، وصحيح أن إسبانيا تواجه تحديات كبرى تتمثل في بطالة مزمنة واستمرار ثقل التضخم والاعتماد المفرط على السياحة، ومع ذلك فإن إسبانيا تبدو وكأنها شقت طريقها نحو نمو مطرد في السنوات المقبلة نتيجة الإصلاحات الهيكلية التي قامت بها الحكومات المتعاقبة واستفاد منها سانشيز لإدخال الإصلاحات الضرورية، خصوصاً على مستوى سوق الشغل والضرائب ودعم الطلب. هذا غير متوفر في فرنسا دون إصلاحات قد تكون أليمة وتتطلب توافقاً سياسياً داخلياً غير متوفر الآن ألا وهي تخفيض عجز المالية والمديونية وإصلاح حقيقي لصناديق التقاعد وإصلاح فعال لسوق الشغل ولنظام الحماية الاجتماعية.

 

omantoday

GMT 10:48 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 10:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 10:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 10:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 10:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 10:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 10:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 10:41 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليسار الفرنسي وحقيقة النموذج الإسباني اليسار الفرنسي وحقيقة النموذج الإسباني



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ عمان اليوم

GMT 09:39 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 عمان اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 عمان اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 18:33 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا
 عمان اليوم - المستشار الألماني يحذر الصين من توريد أسلحة إلى روسيا

GMT 10:16 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 عمان اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:47 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 عمان اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 عمان اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:46 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 15:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 09:41 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة وسعيدة في حياتك المهنية

GMT 16:04 2019 الخميس ,01 آب / أغسطس

تمتع بالهدوء وقوة التحمل لتخطي المصاعب

GMT 22:59 2019 الأحد ,15 أيلول / سبتمبر

اهتمامات الصحف الليبية الأحد

GMT 12:27 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

السعودية تستضيف نزال الملاكمة الأهم هذا العام

GMT 00:00 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

omantoday Omantoday Omantoday Omantoday
omantoday omantoday omantoday
omantoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
oman, Arab, Arab