بقلم : منى بوسمرة
رغم قوة الجائحة الفيروسية، وانشغال العالم بمواجهتها، خاصة الفرق العلمية التي تبحث في خصائص الفيروس، وآلية عمله، للوصول إلى المصل، ورغم الخوف والارتباك، أبدت تلك الفرق حماساً غير مألوف، رغم آلام الطريق للوصول إلى المصل الوقائي العنيد، أو الدواء العلاجي العتيد.
مصدر الحماس، توفر الدعم المالي غير المسبوق من الحكومات والشركات، ورجال الأعمال والأثرياء، وغيرهم، للأبحاث العلمية الطبية، حيث يتوفر اليوم لتلك الفرق ومختبراتها كل الدعم اللازم، وهو سابقة نادرة، تساعد في الإسراع للوصول إلى المصل أو العلاج، أو الاثنين معاً.
والسؤال البديهي الآن، هل نجح العالم أم رسب في امتحان البحث العلمي قبل الجائحة؟ الحقيقة المرة، كما يجيب عنها ضيفنا الكريه «كوفيد 19»، فشل بامتياز، فالعالم يدفع فاتورة لم يتحسب لها، حيث خسائر بشرية مؤلمة، وشظايا الخسائر الاقتصادية تتطاير في كل اتجاه، والنتيجة شلل عالمي، وإجازة إجبارية في كل الأرض، لا تبدو نهايتها في الأفق.
أمام مرارة الجائحة، يحتاج العالم إلى تعظيم البحث العلمي، واعتماده نهجاً ثابتاً، أما الابتعاد عن هذا أو التغاضي عنه، فهو تراجع خطير على جبهة مفتوحة دائماً. فالمهم الآن، هو البدء بتبديل السياسات والأولويات، وممارسة الضغط على الأنظمة السياسية من أجل ذلك، ودعم البحث العلمي الطبي، وتعميم دعمه في كل البلدان، عبر ميزانيات تدعمها مؤسسات دولية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، بدل إغراق دول العالم في الديون، والوصفات الفاشلة في التنمية الاقتصادية، وتبني نظرية أمن صحي جماعي عالمي، والاعتراف أن الأمن الصحي الوطني لكل دولة، غير كافٍ، ولا قادر على معارك بهذا الحجم، ما لم يكن جزءاً لا يتجزأ من أمن عالمي مشترك.
هي لحظة الضغط الإجباري على الجرح، من أجل تصويب اتجاه البوصلة، وتعويض التقصير، واتخاذ قرار حتمي، بإعادة ترتيب الأولويات، وتقديم الصحة على كل اعتبار، وبناء نظام صحي عالمي جماعي، ترصد له كل الإمكانات المالية والعلمية والبشرية، ويتمتع بالمناعة ضد الصراعات والنفوذ والمصالح، فإما يربح الجميع، أو يبقى العالم أسير منظّري السياسة والاقتصاد، الباحثين عن انتصارات، أثبت «كورونا» هشاشتها، ومكاسب تلاشت في لحظة.
العالم في حاجة ماسة إلى حكماء، يقرعون جرس الإنذار، مثل النداء العالمي الذي أطلقه محمد بن راشد، بإعادة بناء وترتيب الأولويات، على قاعدة الصحة أولاً، فبدونها، لا معنى لسياسة تسبح في اليسار أو اليمين، أو تستقر في الوسط، ولا معنى لاقتصاد نامٍ أو ناشئ أو متقدم، ما لم تكن الصحة، مؤشر سلامة السياسة والاقتصاد معاً، فتلك، قُبلة الحياة للبشرية.