بقلم : منى بوسمرة
تقدم الإمارات من خلال مشروعها الجديد لسبر الفضاء، ملمحاً جديداً لنوعية وحجم مشاريعها المبهرة للخمسين عاماً القادمة، وهي مشاريع تظهر منذ بداية إطلاقها أنها تتجاوز الإنجازات المعتادة إلى المهمات العظيمة التي تترك آثاراً تتجاوز ما ستحققه من قفزات استثنائية في مسيرة الإمارات التنموية، إلى أبعاد حضارية تمتد إلى المنطقة ككل، بل وتثري المعرفة وتعزز التنمية على المستوى العالمي.
المهمة الفضائية الجديدة لاستكشاف كوكب الزهرة وحزام الكويكبات في المجموعة الشمسية، التي أعلنت عنها الدولة أمس، في أولى غاياتها، تضاعف أركان صناعة فضائية إماراتية متكاملة، فهي تترافق مع برنامج لدعم تأسيس شركات إماراتية متخصصة في هذا القطاع، وبرنامج تدريبي وطني لتنمية الصناعات المهنية لدى المواطنين وتأهيلهم لإنشاء شركاتهم الخاصة لخدمة قطاع الفضاء، خصوصاً أن المشروع يتضمن بناء مركبة فضائية إماراتية تقطع رحلة مقدارها 3.6 مليارات كيلومتر نحو وجهتها لتنفذ هبوطاً تاريخياً على آخر كويكب ضمن رحلتها التي تستمر خمس سنوات.
يؤكد ذلك أن استراتيجية الإمارات لريادة هذا القطاع تزداد زخماً ببناء أسس قوية تحلق به إلى التميز، الأمر الذي يلفت إليه بوضوح تشديد محمد بن راشد ومحمد بن زايد على أن رحلات الإمارات في الفضاء لن تتوقف، وأنها مستمرة اعتماداً على الكوادر والمواهب الوطنية بمشاريع لتخريج علماء ورواد وبناء مركبات، كما تدلل هذه المهمة ببرامجها على الرؤية الشاملة التي تسعى إلى تحقيق نتائج متعددة على كل جوانب التنمية الوطنية سواء ما يتعلق منها بتنمية الإنسان، أو تعزيز التنوع والنمو الاقتصادي، أو الارتقاء بتنافسية الدولة في قطاعات المستقبل الحيوية وعلومه المتقدمة.
ما يميز المهمات الفضائية الإماراتية، وظهر ذلك من المهمات الأولى ليتواصل اليوم، أنها تضع في صدارة غاياتها، الأصالة العلمية التي تهدف إلى تقديم مساهمات وإضافات علمية نوعية تثري المعرفة العالمية، فالمركبة الإماراتية الجديدة ستنفذ الهبوط الرابع عالمياً على كويكب في مجموعتنا الشمسية، وستكتشف مجموعة كويكبات لم تصل إليها أية مهمة فضائية من قبل، لتدرس كوكب الزهرة وتلتقط صوراً وتجمع بيانات علمية دقيقة لأول مرة عن هذه الكويكبات.
كما أنها تعتبر تحدياً جديداً للتفوق على المهمات الإماراتية السابقة، فالمركبة التي يستغرق تطويرها 7 سنوات ستقطع مسافة تعادل 7 أضعاف الرحلة التي قطعها «مسبار الأمل»، وتقترب حتى مسافة 109ملايين كيلومتر من الشمس، وتبقى في مهمتها العلمية مدة خمس سنوات، مما يضيف قوة جديدة لمساهمات الدولة الحضارية والعلمية في هذا المجال.
تفوق الإمارات في الفضاء وصناعته قطع أشواطاً واسعة في وقت قياسي، ليقدم قيمة معرفية غير مسبوقة عالمياً، ورسائل إلهام وثقة للمنطقة وشبابها، ومكاسب استراتيجية كبيرة على المستوى الوطني جعل الدولة منافساً قوياً للكبار في القطاعات المتقدمة