بقلم: عبد المنعم سعيد
كان عصر الثلاثاء ١١ سبتمبر ٢٠٠١ عاديا فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية حين اجتمع الزملاء والرفاق فى براح مكتب مدير المركز للنقاش فى كل أمور الدنيا، وفجأة دخل أحمد عامل البوفيه المجد والعارف بأهمية المعلومات لدى العاملين مطالبا بفتح التليفزيون لأن هناك حدثا مهما يجرى فى الولايات المتحدة. كان متلعثما يبتلع أنفاسه بصعوبة، وبعد ثوان قليلة أدركنا سر الحالة عندما كان على الشاشة أحد أبراج مركز التجارة العالمى يخرج منه الدخان والنيران. حل الصمت كما لم يحل من قبل، كانت قناة "سى.إن.إن" تذيع فى ارتباك مدهوش، ولم تمض دقائق حتى جاءت الضربة الثانية للبرج الثانى وهو الذى قضى تماما على تصور أولى أن الهجوم الأول لم يكن إلا بسبب طائرة ضالة. أصبح واضحا أن الدولة العظمى الباقية فى العالم تتعرض لهجوم لم تعرف له البشرية نوعا من قبل. لا أعتقد أن أحدا من الحاضرين قد نام يومها، فمن ناحية وبحكم مهنة التحليل الإستراتيجى الذى ينظر للحدث من منظورات النظام الدولى المصاب توا بأكبر زلزال لم يتعرض له من قبل فى تاريخ العالم المكتوب. ومن ناحية أخرى بعدها انتقل الجميع كل حسب تخصصه إلى التفكير فى معالجة موضوع الساعة والزمن القادم، خاصة أن المركز وقتها كان يملك الخبرة الحصرية التى تستشار فى جميع الفضائيات العربية تقريبا.
أصبح العالم مختلفا، ولعله فى هذه اللحظة كتبت بداية نهاية القطبية الأحادية للولايات المتحدة، حتى ولو انتظر الأمر عقدين من الزمان بعد ذلك حتى يكون القضاء مقضيا. ولكن ساعتها كان الأمر فى واشنطن مذهلا بعد أن اكتملت الضربات الأربع، وأن التحدى موجه ليس للولايات المتحدة كدولة، وإنما أكثر من ذلك للإدارة الأمريكية للرئيس جورج بوش الإبن ورفاقه المحافظين الجدد الذين لديهم التصميم على أن يكون القرن الحادى والعشرين قرنا أمريكيا. لم يمض وقت طويل حتى دخلت واشنطن الحرب العالمية ضد الإرهاب.