بقلم: عبد المنعم سعيد
كان قانون تحديد الملكية الزراعية من أول القوانين الثورية لثورة يوليو، وجاء القانون مبكرا بالاستيلاء على كل ما زاد على مائتى فدان، وبعد ذلك انخفضت إلى مائة؛ على أن يجرى توزيع هذه الأراضى على المعدمين من الفلاحين والفقراء من المستأجرين بمقدار خمسة فدادين للأسرة. فى ذلك الوقت جرى استدعاء الإقطاع من التاريخ الاقتصادى فى أوروبا العصور الوسطى، حيث كان هناك ملاك الأرض وما عليها من أقنان يعملون بالسخرة.
كان فى الأمر بعض من الغش التاريخي، ولكن الشعب المصرى شعر بفرحة عارمة؛ وفى وقتها غنت فرقة رضا للفنون الشعبية أغنية ذاعت عن الفدادين الخمسة التى باتت مصر بعدها ليس كما كانت قبلها. أصبح شعار العدالة الاجتماعية جزءا من الثقافة العامة، ومقدمة لما جرى بعد ذلك فى عام ١٩٦٠ من تأميم للشركات والمصانع والبنوك الخاصة. واكبت هذه المظاهرة إعلان الدولة أيضا عن مشروعاتها لاستصلاح الأراضى الزراعية، وتوزيعها أيضا على الفلاحين، وكان المشروع الأول مديرية التحرير فى الصحراء الغربية.
حالة النشوة هذه بمستقبل واعد للزراعة فى مصر وفلاحيها سرعان تدريجيا ما حلت لعنتها التى حذر منها بعض من أصحاب الأرض الإصلاحيين بأن توريث الأرض سوف يؤدى إلى تفتيتها إلى مساحات صغيرة تفقد القدرة الإنتاجية، والميزة التنافسية. ما حدث فعليا هى أن الفدادين أصبحت قراريط وهذه صارت أسهما لا يدرى أحفاد الفلاح ماذا يفعلون بها. كان الحل المتوقع هو أن تنشأ تعاونيات تجمع المساحات المايكرو صغيرة فى مؤسسات إنتاجية واقتصادية؛ ولكن هذه سرعان ما باتت مؤسسات بيروقراطية تعتمد فى تكلفتها وأجورها على الأرض، وليس العكس بأن تستند الأرض إلى هذه المؤسسات فى التطور التكنولوجى والتسويق. تدريجيا باتت قيمة الأرض فى بنائها وليس الزراعة فيها، تغير الحال فى المناطق الزراعية القريبة من المدن الكبرى، وتحولت دلتا النيل إلى غابات من الأسمنت، وأصبحت العشوائيات منتجا ريفيا فى قلب المدن والريف.